في قول موجز، من المستطاع الإشارة إلى وجود تحدٍّ عميق للعصر الرقمي في أميركا. ويمثّل ذلك التحدي دليلاً واضحاً على مدى التقدّم الهائل لذلك البلد، خصوصاً في مجال المعلوماتية والاتصالات المتطوّرة. ولأن الجيش الأميركي دأب على جعل التكنولوجيا رافعة أساسيّة في استراتيجيته، ينظر كثر من مفكري أميركا حاضراً إلى المستوى المعلوماتي باعتباره التحدي الذي يفترض بأميركا التفكير فيه. ويعني ذلك، أنه يتوجب على صناع القرار في واشنطن العمل على أن يكون المستوى التقني للجيش الأميركي في المعلوماتيّة والاتصالات، هو الأكثر تقدّماً عالميّاً، تحت تهديد أن تنهار سطوته الاستراتيجية وفقدان تقدّمه على بقية الجيوش، سواء كانت حليفة أم معادية. وتحتاج العلاقة بين النزاعات غير المتكافئة (تسمّى أيضاً «الصراعات اللامتناظرة») من جهة، والمعلوماتية وانبثاثها في الاستراتيجيّة المعاصرة من جهة ثانية، إلى نقاش موسّع يتجاوز كثيراً ما يتيحه هذا المقال. هناك مفارقة أخرى ظهرت عندما سُرقت بيانات شركة «سوني» قبل إطلاقها فيلم «المقابلة»، الذي يتناول حياة الزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ - أون. ألا يبدو الأمر أيضاً صراعاً بين شركة للمعلوماتية ودولة تدار عسكريّاً، بدعم من دول كبرى مجاورة؟ ألم يكن المألوف قبلاً أن تتصارع الدول مع الدول، وتتنافس الشركات مع الشركات؟ لم تكن الضربة ضد «سوني» سوى مقدّمة لمشهد تداخلت فيه السياسة مع المعلوماتيّة والاتصالات المتطوّرة. وتذكّر كثر أيضاً، أن الولاياتالمتحدة كانت أول من «استجاب» للتحدي المعلوماتي في مجال الاستخبارات، بأن مارست إحدى مؤسّساتها الاستخباراتيّة («وكالة الأمن القومي») تجسّساً إلكترونيّاً شاملاً على امتداد الكرة الأرضيّة. ويزيد حدّة المفارقة، أن ذلك الأمر لم ينكشف إلا عندما قرّر الخبير المعلوماتي الأميركي إدوارد سنودن، أن يكشفه. هل يتوافق ذلك مع التبشير المستمر بأن العصر الرقمي يزيد الشفافية ويعمّقها، بما يوطّد دعائم الممارسة الديموقراطية؟ إذاً، فلنُعد النظر بتلك الأمور.