التقت الأختان وجهاً لوجه ومرّتا من دون أن يطرف لكلتيهما جفن، هي قالت لي: «هذه الفتاة التي مرت بجانبنا أختي الكبرى... منذ سنوات لم نتحدث وهي تسكن في بيت عمي». لم أخض في تفاصيل الخلاف، لكن ما أحزنني هذا الجَلد والقدرة على الكره والتخاصم والنكران المتبادل من الأختين. في ذلك اليوم تناقل ناشطون في مجال حقوق الإنسان خبر مقتل فتاة من مدينة غزة من قبل أفراد من عائلتها على خلفية ما يسمى «شرف العائلة»، ولولا بيانات الإدانة والاستنكار من مؤسسات حقوق الإنسان لما علم أحد بالجريمة سوى من نفذها وبعض الجيران الذين تناقلوا الخبر بصمت، وطويت جريمة مقتل الفتاة كباقي 70 ضحية من النساء اللواتي قتلن منذ العام 2005، حتى نهاية شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2009. بعد يومين من مقتل الفتاة نقلت الأنباء من مخيم النصيرات خبراً عن جريمة مقتل طفل يبلغ من العمر 10 سنوات وجدت جثته موضوعة بداخل كيس بلاستيكي ملقاة في حظيرة للمواشي في المخيم وعليها آثار تعذيب، الجريمة هزت مشاعر الناس في قطاع غزة، وأقلقتهم على أطفالهم، خصوصاً بعد معرفة تفاصيلها البشعة. منذ بداية العام الحالي 2009، قتلت 12 امرأة في فلسطين على خلفية ما يسمى القتل انتقاماً لشرف العائلة. ما يزيد من جرائم قتل النساء في فلسطين من دون أن يترك ذلك أثراً على المسؤولين وعلى السلطة القضائية التساهل من قبل السلطة القضائية وإصدارها أحكاماً مخففة على المتهمين بتنفيذ تلك الجرائم. أحد القضاة قال لي خلال فترة عمله ومن خلال الأحكام التي اطلع عليها فإن أشد حكم قضائي صدر عن المحاكم الفلسطينية في قطاع غزة كان السجن 11 سنة، لأحد المتهمين بقتل ابنة عمه بشبهة «شرف العائلة»، ومع ذلك لم يكمل ذلك القاتل مدة الحكم كاملة. القانون الفلسطيني لا يميز في جرائم القتل، إلا أن التساهل من السلطة القضائية عزز من ثقافة الإفلات من العقاب لدى مرتكبي جرائم القتل على خلفية «الشرف»، إذ أن معظم الأحكام التي صدرت عن المحاكم الفلسطينية كانت مخففة ولم تتجاوز العقوبة مدة ثلاث سنوات، ما منح القتلة حصانة الإفلات من العقاب. معظم حوادث قتل النساء نفذت من قبل أقاربهن بالدرجة الأولى والجرائم عادة ما تنفذ في منزل العائلة، وبعض الضحايا يتم إلقاء جثثهن بعيداً خوفاً من الشبهة، وهناك أمثلة كثيرة على قتل نساء وفتيات دفنت جثثهن في منزل العائلة، وفي بعض الحالات لا تعمل الشرطة في شكل جدي على كشفهن وتسجل بأنها وفيات إما لأسباب صحية أو قضاء وقدراً ويتم دفن الجثة بناء على ذلك. قتل النساء في المجتمع الفلسطيني من خلال الإحصاءات المذكورة يؤشر إلى خطورة كبيرة، والقتل قائم وله حضور ولا يزال المجتمع الفلسطيني يعاني من أمراض وآفات بدءاً من القتل باسم شرف العائلة والزواج المبكر والاعتداءات الجنسية المختلفة المخيفة، وبعضها لا يتحدث عنها المجتمع أو الضحايا. واستمرار حوادث قتل النساء على خلفية ما يسمى شرف العائلة يتم من دون أن تبدي السلطة الوطنية اهتماماً جاداً في معالجة هذا النوع من الانتهاكات ومن دون أن يجري أي تطوير على بند العقوبات المفروضة على مرتكبي هذه الجرائم حيث لا تزال العقوبات المفروضة على هذا النوع من الجرائم مخففة وتعزز من ثقافة الإفلات من العقاب. * ناشط في مجال حقوق الإنسان في غزة