مع اقتراب عيد العمال في 1 أيار (مايو) المقبل، صعدت النقابات العمالية لهجتها ضد الحكومة في المغرب، وهددت باللجوء إلى الإضراب في حال عدم الاستجابة لمطالبها برفع الأجور بنسبة 20 في المئة، لمواجهة غلاء المعيشة، في مقابل استئناف النقابات «الحوار الاجتماعي» حول إصلاح منظومة التقاعد، التي تعتبرها الحكومة ملفاً مستعجلاً قد يهدد «الصندوق المغربي للتقاعد» بالإفلاس مطلع العقد المقبل، في حال تواصل العجز في موازناته التي ستخسر العام الحالي 2.5 بليون درهم (250 مليون دولار). وتعتقد النقابات أن التحسن الطارئ على الاقتصاد المغربي الذي قد يحقق نمواً يتجاوز 5 في المئة بحلول نهاية العام الحالي يسمح بهامش تحسين أجور العاملين في القطاعين العام والخاص عبر تقليص الضرائب وزيادة العلاوات الاجتماعية. وقال الأمين العام ل «نقابة الاتحاد المغربي للعمل»، ميلود مخاريق: «لا يعقل أن تزيد الحكومة الأسعار وترفض الزيادة في الأجور،» في إشارة إلى رفع الدعم عن عدد من المواد الأساس ومنها المحروقات، لتقليص نفقات «صندوق المقاصة» الذي تعتبره الحكومة مسؤولاً عن عجز الموازنة لأنه تضاعف مرتين في أربع سنوات وكان يمثل 5 في المئة من الناتج الإجمالي قبل خفضه إلى 3.5 في المئة حالياً، وتحتاج إلى تقليصه إلى 2.5 في المئة فقط العام المقبل، عبر رفع جزء من الدعم عن الغاز المنزلي والسكر. وأشارت مصادر حكومية إلى أن التحسن المرتقب في الأداء الاقتصادي سيساعد على تقليص العجز المالي إلى نحو 4 في المئة، وهي غير متحمسة لاقتسام هذه المنافع مع العمال. وأفادت المصادر بأن ثلاث نقابات عمالية ستجتمع الأسبوع المقبل للرد على موقف الحكومة المتحفظ من زيادة الأجور، وقال الأمين العام ل «الفيديرالية الديموقراطية للشغل» إن: «حرص الحكومة على مناقشة ملف إصلاح صناديق التقاعد والقفز على مطلب الزيادة في الأجور أمر مرفوض». وتصر النقابات في المغرب على ربط ملف الأجور بملف التقاعد لإيجاد توازن بين الحقوق والواجبات، خصوصاً أن معالجة مشكلة الصناديق تتحملها الفئة العاملة والطبقات الوسطى، التي تحملت العبء الأكبر من برامج الإصلاح الاقتصادي في السنوات الأخيرة، الذي قُدرت كلفته بنحو مئة بليون درهم في أربع سنوات. وأشارت النقابات إلى أن متوسط الضرائب في المغرب يزيد عن 25 في المئة ويصل إلى 38 في المئة على الأجور، بينما لا تدفع الشركات الكبرى سوى نسب ضرائب تقل عن 30 في المئة. ومن وجهة نظر الحكومة فإن إصلاح صناديق التقاعد يحتل أولوية الإصلاحات إلى جانب «صندوق المقاصة» لأن كل تأخير في مباشرة الإصلاحات الكفيلة بمعالجة الخلل المالي لتلك الصناديق سيزيد الوضعية المالية سوءاً في المغرب، لأن موازنة الدولة ومهما كانت الظروف لن تستطيع معالجة مشكل أنظمة التقاعد. وأظهرت دراسة أنجزها «المجلس الأعلى للحسابات» أن صناديق التقاعد ستحتاج إلى 700 بليون درهم عام 2060 للوفاء بالتزاماتها مع المتقاعدين الذين سيتضاعف عددهم. ويُقدر عدد المنخرطين في أنظمة التقاعد في المغرب بحوالى أربعة ملايين شخص إي ما يمثل 35 في المئة من مجموع الفئة الناشطة. ووفق الدراسة فإن عدد المحالين على التقاعد في المغرب يتطور بوثيرة أسرع من إحداث الوظائف حيث انتقل عدد المتقاعدين في المعاشات المدنية ل «الصندوق المغربي للتقاعد» من 155 ألف إلى 292 ألف بزيادة 81 في المئة في عشر سنوات، بينما لم يتطور عدد المسجلين في الصندوق سوى 82 ألف بين عامي 2004 و2014. ويُنتظر أن يرتفع عدد المتقاعدين من القطاع العام إلى 480 ألف بحلول عام 2030 ما سيحتاج معه الصندوق إلى موارد بقيمة 590 بليون درهم عام 2060، وهو لا يملك منها حاليا سوى 85 بليون درهم، علماً أن كلفة إصلاح التقاعد على مدى السنوات المقبلة في ثلاث صناديق تحتاج إلى 700 بليون درهم (72 بليون دولار). ولأجل ذلك اقترح المجلس الأعلى للحسابات رفع سن الإحالة على المعاش إلى 65 سنة على مدى عشر سنوات، وتقليص التعويض، واحتساب سنوات خدمة أطول، وزيادة قيمة المساهمات، وهي اقتراحات «المجلس الاقتصادي والاجتماعي» ذاتها، لكن الحكومة لها رأي أخر، فهي تريد أن يكون الإصلاح أعمق والزيادات في سنوات الخدمة أطول والتعويض اقل. وترفض النقابات هذه الصيغ وتعتقد أن سوء التدبير والاختلاسات السابقة مسؤولة عن الوضعية الحالية للصناديق، وعلى الحكومة المساهمة في تحمل أعباء الإصلاح وإحالة المفسدين على القضاء. ويتوقع أن يخسر «الصندوق المغربي للتقاعد» 16 بليون درهم عام 2020 في حال عدم الإسراع في الإصلاح تفادياً للإفلاس، ويشكل هذا الموضوع في رأي المحللين أكثر الملفات الاقتصادية والاجتماعية تعقيداً في المغرب منذ 30 سنة، لأنه يرتبط في جانب منه بالمديونية العامة وأسهم بورصة الدار البيضاء وعشرات المشاريع الاستثمارية في قطاعات عديدة.