تعتزم الحكومة المغربية إطلاق إصلاحات سريعة في أنظمة صناديق التقاعد، التي تسجل عجزاً في موازناتها تشمل رفع سن التقاعد إلى 62 سنة على المدى القريب و65 سنة على المدى المتوسط مع زيادة نسبة الاقتطاعات والمساهمات. وتقلّص الإصلاحات المعاشات بتغيير قواعد احتساب سنوات الخدمة، وهو المشروع الذي يواجه معارضة قوية من النقابات وأحزاب المعارضة البرلمانية. وكشفت مصادر مطلعة أن رئيس الحكومة اقنع زملاءه في الائتلاف الحكومي بتبني صيغة رفع سن التقاعد الرسمي بين سنتين وخمس سنوات حتى عام 2020، واقتطاع نسبة 10 في المئة إضافية من مساهمة الأجراء والموظفين، لإنقاذ صناديق التقاعد التي تمر في وضعية مالية تهدد ديمومتها على المديين المتوسط والبعيد، استناداً إلى نتائج دراسات مكتب فرنسي متخصص. وأشارت المصادر إلى أن الحكومة (على رغم خلافاتها) عازمة على تطبيق هذه الإجراءات بداية من مطلع عام 2015، وهي في صدد إقناع الشركاء الاجتماعيين الباقين، في إشارة إلى النقابات العمالية المقاطعة للاجتماعات التي دعت إليها الحكومة للبحث في مستقبل صناديق التقاعد والتحوط الاجتماعي. ويُتوقع إعلان تفاصيل الإصلاح في الأسابيع المقبلة بعد التئام اللجنة الوطنية المكلفة ملف التقاعد. وقال رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران أمام البرلمان الأسبوع الماضي «بعض النقابات العمالية قاطع اجتماعات كان متوقعاً أن تبتّ في أنظمة التقاعد»، لافتاً إلى «العزم على تطبيق الإصلاحات لإنقاذ الصناديق من الانهيار وضمان معاشات الأجيال الصاعدة». وتوقعت دراسة أنجزها «المجلس الأعلى للحسابات»، أن «تزداد وضعية صناديق التقاعد سوءاً في السنوات المقبلة، في حال لم تتخذ السلطات العامة قرارات سريعة، من شأنها تمكين أنظمة التقاعد من ضمان استمرار تقديم معاشات إلى المستفيدين». وقدّرت حاجة صناديق التقاعد الأربعة إلى «نحو 813 بليون درهم حتى عام 2022. وربما يطاول العجز المالي «صندوق التقاعد المغربي» خلال العام الحالي، وهو المخول ضمان معاشات نحو 900 ألف موظف في القطاع العام». ورأى المجلس أن «عدم القيام بأي إصلاح سيرفع العجز في «الصندوق المغربي للتقاعد» إلى 6 بلايين درهم عام 2016 ليصل إلى 29 بليوناً عام 2022». وعزا ما تواجهه صناديق التقاعد إلى أسباب اقتصادية وديموغرافية وتدبيرية (غياب الحوكمة)، وهي على تعددها وتنوعها لا تغطي سوى 33 في المئة من العاملين في المغرب المقدر عددهم بنحو 11 مليون شخص، نصفهم في القطاع الزراعي والصيد البحري والصناعات اليدوية. ولفت إلى أن الحكومة «ستعمل على توسيع قاعدة المستفيدين من المعاشات بفتح المجال أمام المهن الحرة والنشاطات الاقتصادية غير المهيكلة والشركات المتهرّبة من تسجيل عمالها في صناديق التقاعد». واتهمت النقابات الحكومة باللجوء إلى الحلول السهلة، وتحميل العمال والأجراء أخطاء الحكومات السابقة التي لم تحرص على تدبير جيد لصناديق التقاعد. وجاء في مذكرة للمجلس الإداري للصندوق المغربي للتقاعد، أن الحكومة تهول بملف التقاعد لأغراض سياسية، وأن سوء التسيير والتبذير المفرط في أموال المنخرطين كان وراء الخلل المالي للصندوق». وأشارت إلى أن المجلس الإداري «رصد مجموعة من الاختلالات في تسيير الصندوق المغربي للتقاعد، وأنهم بريئون من أي إصلاح يضرب الحقوق المكتسبة للمنخرطين النشيطين». واتهمت نقابات عمالية الحكومات المتعاقبة، بسوء تدبير ملف صناديق التقاعد والتصرف في مواردها بطرق غير ناجعة، منها توظيف استثمارات فاشلة في قطاعات سياحية وعقارية، والتسبب بخسائر مالية بضخ أموال المنخرطين في صفقات مشبوهة أو غير محسوبة العواقب. واعتبرت جهات اقتصادية أن ضعف التوظيف في القطاع العام في العقود الثلاثة الأخيرة بتوصية من صندوق النقد الدولي، وتخلي الحكومات السابقة عن أدوارها الاجتماعية، منها عدم تسديد التزاماتها المالية تجاه الصناديق، ساهم في اختلال التوازن في أنظمة التقاعد المغربية، فضلاً عن العامل البشري بعدما انخفض عدد المضمونين من 12 عاملاً في مقابل متقاعد واحد عام 1983 لينخفض العدد إلى 3 على واحد عام 2011. ويُتوقع أن يشهد ملف المعاشات في المغرب جدلاً سياسياً واجتماعياً وإعلامياً حول المسؤول عن وضعية صناديق التقاعد، وطرق معالجتها، والفئات التي يجب أن تتحمل وزر أخطاء سنوات ما قبل الربيع العربي.