أربع فتيات استطعن بذكاء أن يضعن حاجزاً كثيفاً من الغموض والإبهام أمام عقل جمهور المتلقي عند دخوله الأول إلى معرضهن «أنا» الذي افتتح عشية الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، في «استوديو مبادرة»، أحد الاستوديوات المستقلة في منطقة نيو جناكليز في الاسكندرية. ويشعر المتلقي في البداية بصعوبة التكهن بما تريده الفتيات الأربع من 62 سيدة وفتاة جرى احتجازهن فوتوغرافيا ومعالجتهن غرافيكياً في 62 لوحة هي عدد لوحات المعرض. ما بين صور شخصية التقطت بطريقة «سيلفي» وأخرى التقطت تقليدياً وعولجت رقمياً، انطلقت أيقونات عديدة أنثوية بامتياز تجوب المعرض بطوله وعرضه تدفع المخيلة إلى احتمالات ما يمكن أن تحمله من رؤى وتصورات تتصارع ما بين تقاليد الماضي ومقتضيات العصر. عيون محملقة جاحظة، أخرى ناعسة حالمة ونائمة وساخرة وضاحكة وعابسة وعيون لا تكف عن الكلام والفعل، أخرى ملونة دائمة الحركة ذات لون ورائحة وعمق إيحاء، وطاقة تعبيرية لا تنضب. خصلات شعر ناعمة وخشنة ومموجة ومجعدة تخفي وجوها أو تظهرها بحساب، أغطية للرأس وأخرى للعقل، أو للحلم، أظافر طويلة وقصيرة مهذبة أو متكسرة وأيدٍ ناعمة بيضاء وسمراء ومخضبة بالحناء تدفعك للتساؤل عما تريده الفتيات الأربع من حشد كل هذه التفاصيل والمعالجات. نهى نجيب اسكندر – من الإسكندرية، تقول: «ماذا تريد المرأة؟ لا يوجد من يستطيع التكهن بتصرفات المرأة الشخصية الفردية البحتة، وحتى المرأة تقف أحياناً أمام نفسها عاجزة عن تفسير تصرفات معينة قامت بها. نسعى لطرح كثير من قضايا المرأة وتمردها درامياً على واقعها الذي تعيشه من تمردها على العادات والتقاليد، حتى تعنت المجتمع الذكوري وإنكاره لقدراتها ورؤاها وتصوراتها وتفاعلاتها الحيوية وعوالمها الداخلية وهواجسها». وترى راجية سالم التي تعود أصولها إلى إحدى قبائل مطروح أن كثيراً من الآراء إن أرادت التعبير عن المرأة لا تعبر إلا عن الخوف الشديد والحذر الأشد من المرأة، ذلك المخلوق المخيف «الأسوأ من الموت والجحيم والسم والأفاعي والنار»، بالنسبة إلى البعض، ومصدر الإلهام والفتنة للبعض الآخر». التقت الفتيات الأربع في أحد المعاهد الفنية لتعلم التصوير الفوتوغرافي، تقول هداية ذكري وهي من النوبة: «اكتشفنا أنه رغم اختلاف بيئاتنا الثقافية (واحدة من الإسكندرية الكوزموبوليتانية التعددية والثانية من قبائل مطروح والثالثة من صعيد مصر) فإن ما نتعرض له من مواقف يكاد يكون نسخة مكررة مهما اختلفت البيئة، فمعاناة المرأة العربية واحدة في كل مكان وإن اختلفت وطأة هذه المعاناة وشدتها. لذا قررنا إقامة معرض نعبر فيه عن كل امرأة «أنا وأنتِ وانتن»، وكل ما له علاقة بنون النسوة. وافتتحناه في اليوم العالمي لنون النسوة». وتوضح هداية أن فكرة المعرض لم تكن وليدة اللحظة بل تم الترتيب لها قبل سنة تقريباً، إذ اتفقت الفتيات الأربع مع 58 سيدة وفتاة من أنحاء عدة من مصر، على أن تلتقط كل واحدة صورة سيلفي كل يوم لمدة سنة «ثم نجتمع لننتقي أفضلها». وتكمل فرح إمام الفتاة الصعيدية المحافظة: «طورنا الفكرة، فبعض السيدات رفضن الظهور علانية ومن ثم اكتفينا باقحام أيقونات فنية ذاتية تعبر عن كل واحدة». وتضيف: «من خلال اللوحات والمعالجات حاولنا أن ندفع بقوة غامضة تحاور الآخر بصوت عالٍ وفي شكل استفزازي حيث يطل تمرد الأنثى بإلحاح من جنبات كل لوحة، كرمز للحياة وللحب وللخصب والغضب من الواقع والثورة عليه».