افتتح المعرض الجماعي لأربع من فنانات مرسم أتيليه فن الذي تشرف عليه الفنانة حميدة السنان، حيث عرضت الفنانات تجارب مختلفة تشير برغبة جادة في التغيير والثورة على السائد والمألوف في التجارب التشكيلية في المنطقة. ورغم أن التجربة ما تزال في بدايتها حيث أن أغلبهن لم يقضين في الساحة الفنية سوى سنوات عديدة، وتعد إيمان آل صخي الأصغر سنا حيث لم تتجاوز الرابعة عشرة من عمرها ولعلها تعتبر أصغر فنانة تشكيلية في المنطقة تحظى بهذا القدر من التميز. فقد عرضت تجربتها الجديدة التي تمردت من خلالها على القيم القديمة والتي لا تتعدى الإطار واللوحة، واعتمدت في تجربتها على مجموعة من النفايات البلاستيكية والمواد التي يعتقد البعض أنه لا يمكن استخدامها في إنتاج عمل إبداعي مميز، وإن كانت الفنانة حميدة السنان قد دخلت هذه التجربة من قبل إلا أن إيمان شطحت بالتجربة إلى أبعد مدى حيث لغت اللوحة تماماً وعرضت عملها معلقاً في السقف، ويحتاج المتلقي إلى قوة بصرية ليلتقط ما اعتبرته قفزة مفاهيمية تلك المدرسة التي تعد ما بعد حداثية. وعندما سألتها ماذا بعد هذه الشطحة أجابت بسرعة المزيد من الشطحات. مضيفة إنها تستطيع أن تعرض لوحاتها وأعمالها في الشارع وفي أي مكان تريد، إذ أن هذه الأعمال لا يمكن أن تحدد بمعرض أو صالة عرض. ومع ذلك فإيمان لديها الكثير من الأفكار التي لم تنفذها بعد وقد تسعى في الفترة القادمة إلى تنفيذها، إلا أنها قد تحتاج إلى وقت طويل لتكريس هذه التجربة التي ربما لم يسبقها إليها أحد على مستوى الوطن العربي، خاصة وأنها تجربة جديدة وهي صاحبة الخبرة القليلة، إلا أن البعض يعتقد أن صغر السن لا يعني أن التجربة غير ناضجة ولعل هناك تجارب كثيرة من هذا النوع، وتحتاج الفنانة حسب البعض إلى جرأة دائمة لمواصلة طريقها المحفوف ببعض المخاطر الفنية. إن تدعيم التجربة يحتاج إلى نوع من إثبات الهوية وهذا لا يتأتى من خلال عمل واحد هو الذي عرضته في المعرض الأخير. وتعتبر صبا الصايغ أيضاً تجربة تحتاج إلى تقييم ودراسة متأنية، فقد اعتمدت في تجاربها السابقة والحالية في رسم الوجوه، فلوحاتها التي بلغت الخمس عشرة كلها وجوه إنسانية غالبيتها لنساء وفتيات. وكانت في التجربة الماضية ترسم البورتريه العادي المعتمد على تقاسيم الوجه المحددة مما يشير بتشخيص إنساني محدد (فلاح - طفل ...) أما الآن فهي تعتمد على الموضوع الإنساني البعيد عن التحديد والتأطير. إنه الإنسان المعذب الذي يحتاج تصويره إلى معاناة من نوع خاص. تقتنص الصايغ الهموم اليومية للمرأة .. للرجل وتحاول إضفاء نوع من التعتيم على الملامح الشخصية بإعطائها ألوان قاتمة (بنفسجي قاتم - أخضر مع أحمر...) فإذا باللوحة تخفي الملامح الحقيقية أو الجسمانية لتستقر كمعاناة قادرة على تمثل هموم الإنسان. وتأتي زهراء الضامن بعد غياب وتوقف فترة لعلها هدوء ما قبل العاصفة أو استراحة محارب، لتقفز بتجربتها إلى الأمام ربما خطوة أو خطوات واثقة. في لوحاتها استخدمت مجموعة من الخامات أضافتها إلى الخشب الذي اخضرته من البيئة (ألواح صناديق الخضار والفاكهة) ثم أدخلت عليها ريشتها ومهارتها الفنية في حياكة صورة جديدة تعتمد على التلقي. وجاءت بعض اللوحات ناقصة نتيجة سوء العرض أو قلة تجهيز الصالة، فهي مجرد غرفة عادية ينقصها الكثير من التجهيزات، مما أفقد لوحات الضامن حيويتها وتحتاج إلى أن تقف بجانبها لتشرح للمتلقي الكثير من غوامض لوحاتها، وأضف إلى ذلك الإضاءة السيئة التي أثرت بشكل كبير على تلك اللوحات. السحارة ذات الوجه هي أهم لوحاتها الجديدة وهي من اللوحات التي تحتاج إلى تأمل، فقراءة متأنية للوجه المختفي خلف الألواح يبرز لنا مدى المعاناة التي يعيشها إنسان هذا العصر في الدخول عبر شرنقة الحياة المتعبة، وفي غير ذلك فسيبقى الإنسان رهين الدائرة التي يعيش فيها. دائرة الهموم العادية والتي ستعيقه عن الانطلاق إلى الآفاق البعيدة. ربما أرادت الضامن أن تجسد تلك الحقيقة، لكن ثمة مارد بداخلها يود الانطلاق! هل استطاعت أن تحقق هذا التطلع وهذا الطموح، ربما أجابت هي على هذا التساؤل وربما أجاب عليه النقاد؟ وأخيراً تأتي تجربة ليلى نصر الله والتي أتت إلى مرسم أتيليه فن متأخرة ففي فترة قد لا تتعدى السنوات الثلاث، لكنها استطاعت بحرفية وإصرار أن تخطو خطوات مناسبة، ففي لوحاتها نجد الدفء والعاطفة التي ربما فقدناها في جميع لوحات المعرض. تلك الحميمية التي مازالت ليلى تعزف على وترها بدقة وتفان، فهي الأم التي تبتغي ضم أطفالها وهي المرأة التي تسعى للحفاظ على مكتسباتها. تبدو نصر الله وكأنها تريد الحفاظ على البقية الباقية من مكتسبات الماضي الجميل الذي دمرته تقنيات العصر الحديث وخربته القيم المغلوطة في التعامل مع الفن. تأتي واضحة وصريحة وبألوان قريبة من البصر، لتعطي كلمتها تجاه الحياة والعلاقات الإنسانية. إنها ببساطة فنانة قادرة على استلهام الحياة.