قد يحسب إصلاحيون إيرانيون، وغيرهم من الليبراليين الغربيين، أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية وقمع التظاهرات عززتا قبضة المتشددين. وفي الأمد القريب، هم مصيبون في الرأي. فأحمدي نجاد باشر ولاية رئاسية ثانية، وقمع معارضيه. ولكن الإصلاحيين ربحوا المعركة، على المدى الطويل. والأرجح على الظن أن آية الله علي خامنئي هو المرشد الأعلى النافذ الأخير في الجمهورية الاسلامية، أفلح نظام الملالي في تجاوز الأزمة الأخيرة أم لم يفلح. ويُسمع صدى مناقشات عاصفة في قم، عاصمة ايران الدينية، تدور على سبل إلغاء منصب المرشد والولي الفقيه، وهو شغله روح الله الخميني عند تأسيس الجمهورية الاسلامية. وعلى رغم نفوذ الخميني الكبير في سلك علماء الدين الشيعة، لم ينظر عدد من كبار رجال الدين الايرانيين بعين الرضى الى تأويله التشيع تأويلاً متطرفاً. ويرى بعضهم أن تولي عالم دين السلطة السياسية في غيبة الإمام الثاني عشر إجراء غير مقبول. وبعضهم الآخر يرى أن الحكم الإلهي يتنافى مع أركان الجمهورية، ولو كانت هذه اسلامية. ووسع الخميني أن يستميل منتقديه، على خلاف خليفته. وعزز قمع خامنئي تظاهرات الاعتراض على نتائج الانتخابات، في الصيف الماضي، رأي علماء الدين الايرانيين أن تولي المرشد الأعلى الحكم باب الى الاستبداد. فالإنسان غير معصوم من الخطأ. ولكن المجتمع الدولي لم يدرك بَعد أن قبضة المرشد ضعفت. وآية الله حسين علي منتظري هو على رأس الحملة التي ترفض ولاية الفقيه، وهو ركن من أركان حركة المعارضة الأخيرة. ويشارك في الحملة هذه محسن قديوار، العالم الذائع الصيت الذي سبق أن اعتقل في طهران، ثم هاجر الى الولاياتالمتحدة. وأعلن منتظري أخيراً أن منصب المرشد الأعلى هو في مثابة الإشراك، وأن صحة حكم المرشد تستمد من الشعب. وقال منتظري: «نحن أمام ولاية عسكرية غير دينية»، في اشارة الى منح خامنئي الحرس الثوري سلطات كبيرة لقمع المتظاهرين. وقبل وفاة خميني، انتقد منتظري أفعال السلطة الايرانية في الحرب مع العراق، ورأى ان محاولة طهران تصدير الثورة أحكمت طوق العزلة على البلاد. وعلى رغم إقصائه وشن حملة قاسية عليه، لم تتردَّ شعبية منتظري. فهو واحد من أبرز رجال الدين الشيعة في ايران والخارج. ولا شك في أن خطراً فعلياً يتهدد منصب المرشد الأعلى. لذا، بادر آية الله مصباح – يزدي، مرشد أحمدي نجاد، الى طمأنة حرس الجمهورية الاسلامية الثوري. ونقلت عنه وكالات انباء ايرانية رسمية قوله إن ولاية الفقيه هي ركن من أركان الاسلام، وأن إضعاف حركة احتجاج وتمرد الولاية هذه هو صنو إضعاف الاسلام. ومصباح – يزدي هو واحد من جوقة من رجال دين المتشددين انبروا في الأيام الأخيرة الى تسويغ منصب المرشد أمام مؤيديهم. وفي خطاب ألقي أمام طلاب الجامعات، ذهب ممثل خامنئي في الحرس الثوري الى أن المرشد لا يُقال من منصبه، ولا يقصى عنه. والحق أن مجتبى ذو النور، ممثل خامنئي، مصيب في قوله إن المرشد لا يستمد شرعيته من الشعب، وإن الشعب لا يستطيع إقصاءه. فهو باق في منصبه. ولكن تأييد سلك رجال الدين خامنئي يتراجع. فعدد كبير من رجال الدين يرى أن قمع التظاهرات غير اسلامي. ويرى قاديوار أن حكم المرشد الاعلى الى زوال جراء معارضة جيل طلبة المدارس الدينية الجديد له. ووجَّه عبدالكريم سوروش، وهو كان مقرباً من الخميني وأسهم في تأسيس الجمهورية الاسلامية، رسالة الى خامنئي نشرت على مواقع الكترونية ايرانية شعبية، ووسمت بعنوان «ابتهج... الاستبداد الديني يتهاوى». ويخاطب سوروش خامنئي قائلاً: «وقعت في حفرة حفرتها، هي حفرة نظام مغلق... وفقدت حماية الله... والشرعية الدينية». ولكن رجال الدين الايرانيين لا يقرون، في العلن، بأن خامنئي قد يكون آخر شاغل لولاية الفقيه. * محررة موقع «انسايد ايران. أورغ»، عن موقع «نيوزويك» الاميركي، 18/11/2009، إعداد م. ن.