لدى تجاوز الجزائريين «تابو» الطب والجراحة التجميلية خلال العقدين الأخيرين، اصطدموا بعقبات أشدّ وطأة في طريق «تغيير اللوك» أو علاج التشوهات الخلقية، وذلك لغياب تخصصات طبية دقيقة، بل إن هذا النوع من الطب غير معترف به أصلاً لدى وزارة الصحة، وفي النهاية يقع الزبون ضحية أطباء من خارج البلاد «خارجون عن القانون». استعصى على مراد ج. (من محافظة المدية شرق الجزائر) الذي تعرّض لحادث مأسوي، إزالة التشوهات التي لازمته منذ سن مبكرة بسبب انسكاب مادة ساخنة فوق رأسه، كلّفته حتى دخوله العقد الرابع من عمره إحباطاً وانزواء عن محيطه. ونظراً لارتفاع كلفة العمليات التجميلية وقلة عدد الاختصاصيين في الجراحة التقويمية أو الإصلاحية في هذا المجال، تبرّع محسنون وتحمّلوا النفقات الباهظة لخمس عمليات بلغت نحو 5 آلاف دولار. والآن ينتظر مراد من ذوي الجود والكرم من يقله الى عيادة تونسية لإعادة زرع شعر رأسه وحاجبيه الذي فقده في الحادث المنزلي، وذلك لغياب هذا التخصص في الجزائر، وحتى إن وجد فلن يستطيع تحمّل الأعباء المادية. تخصص غير معترف به في الجامعات قصة مراد التي نقلها ل «الحياة» تختزل معاناة مرضى تعرّضوا لحادث أليم، سواء كان مرورياً أو حروقاً أو آثار التعرّض بسكين، ورحلة بحثهم عن استرجاع ما فقدوه عنوة. ففي حالتهم العلاج ضروري وليس ترفاً، كما هي الحال بالنسبة إلى من تريد شفط الدهون أو التخلّص من التجاعيد وغيرها من الجراحات التجميلية التي دخلت في شكل متأخر إلى الجزائر على رغم الإقبال المتزايد عليها. وليس غريباً أن تقف السلطات التونسية وراء هذا «التأخّر»، إذ إن الطب التجميلي تخصص غير معترف به من قبل وزارة الصحة والمجلس الجزائري لأخلاقيات مهنة الطب، لذلك لا تحتل الجزائر مرتبة رائدة في هذا المجال ولا تزال تجربتها في خطواتها الأولى بسبب نقص في الكفاءات أو القدرات الطبية. ويقول أهل الاختصاص من الجمعيات الطبية إن هذا التخصص يعرف فراغاً قانونياً في غياب الإطار الذي ينظمه، فهو لا يدرّس في الجامعات والمعاهد، ولا تقدّم باسمه الشهادات المعتمدة. لكن مصالح استشفائية في الجزائر العاصمة وقسنطينة ووهران وسطيف مثلاً، أضحت توفّر جراحة الفك والوجه والرقبة من دون أن تدخل في مجال الجراحة التجميلية. ويشرح رئيس المجلس الوطني لمهنة الطب وعمادة الأطباء الجزائريين، الدكتور بقاط بركاني ل «الحياة» عوامل تأخّر الجزائر في هذا الحقل، فيرى أنه «حاجة اجتماعية لا سيما من جانب السيدات، وقد فرض نفسه نوعاً ما. وما يجب أن تعرفه أن الباحثين عن الجراحة التجميلية غير مرضى، وبالتالي التكوين في الجزائر شبه غائب عن العيادات والأطباء، لذا يقصد طالبو مثل هذه الخدمات تونس أو لبنان أو الأردن غالباً لنيل مرادهم». ويعقّب بركاني مضيفاً أن «الناس يلجأون إلى تونس بسبب افتقاد طب تخصصي في التجميل بالجزائر، وهذه مشكلة كبيرة لأنهم يسددون نفقات هذه الخدمة بالعملة الصعبة». والجراحة التجميلية أكثر تعقيداً من الطب التجميلي، والأخير الأكثر طلباً ونتائجه محصورة بفترة محددة تتراوح حسب نوع العلاج بين 6 أشهر وسنة واحدة. أما الجراحة فتتطلب تقنيات أكثر تعقيداً وتخديراً عاماً للمريض، وتجرى في مصحة متخصصة تحت مراقبة وعناية عالية عقب العملية. كما تطلّب فترة نقاهة وهذا غير متوافر في الجزائر. لكن الظاهرة التي اجتاحت ولايات شرق البلاد هي نشاط عيادات خاصة مخالفة للقانون، تستنجد بأطباء تونسيين لإجراء جراحات متجاهلة المسؤولية الأخلاقية الناجمة عن ذلك. خارجون عن القانون ويرى بركاني الأمر مخالف للقانون ويعتبر بمثابة ما يسمى «طراباندو»، لأن الطبيب أجنبي لا تنطبق عليه العدالة الجزائرية ونشاطه عمل غير شرعي. ويقتنص عدد من العيادات الخاصة شرق البلاد زبائنه من خلال أطباء محليين، وتخضعهم لجراحات تجميل بسرية تامة في مقابل مبالغ خيالية. ويعلم أصحاب عيادات الجراحة أن الوزارة الصحة لن تمنح ترخيصاً للجراحين التونسيين، فيوجهون لهم دعوات استضافة خلال عطلة نهاية الأسبوع، تستغل لإجرائهم جراحات تجميلية في مراكز محددة، ولا يعلم الزبائن خطورة ما يقدمون عليه، وما قد يتسبب في تشوهات خلقية وأخطاء طبية لا يعاقب عليها القانون في النهاية، لأن إجراءها كان غير شرعي. وكشف بركاني أن معظم المقيمين في الولايات الحدودية الشرقية يعالجون في تونس. في المقابل، يختار ميسورو الحال مراكز للتجميل في لبنان أو تركيا. ويقصدونها في إطار السياحة العلاجية المزدهرة في لبنان والتي يبرع فيها أطباء هذا البلد، وذلك على رغم كلفتها الباهظة. وأطلع مصدر مسؤول في شركة الخطوط الجوية الجزائرية «الحياة»، أن غالبية المتوجهين أسبوعياً عبر إلى بيروت، أي 75 في المئة منهم هن سيدات يترددن على مراكز التجميل مفضلات إنفاق مبلغ كبير من الأموال على «مغامرة» غير محسوبة النتائج في عيادات جزائرية قليلة الخبرة، فضلاً عن غياب الإطار القانوني الذي يحمي الزبون. ويحكم كلفة العمليات العرض والطلب بين الزبون والطبيب في الجزائر، حيث تتراوح أسعار عملية شفط الدهون للتخلّص من السمنة ما بين 20 ألفاً و100 ألف دينار، وكلفة عملية إزالة التجاعيد 30 ألف دينار، فيما يتراوح عمر المقبلات على هذه العمليات بين 25 و40 سنة. وتقبل كثيرات على شفط الدهون، ونزع الشعر، ومعالجة تشوّهات ناتجة عن حروق أو عن حوادث مرور، وغيرها من الإصابات، أو التشوّهات الخلقية عموماً في الجسم والوجه، وكذا إزالة الوشم والوحمات، وشدّ أجزاء من الجسم. لكن ذلك لا يعني غياب رجال مهووسين أيضاً بالتجميل. وفي هذا الصدد، يوضح الدكتور أوغانم محمد الاختصاصي في طب التجميل في الجزائر العاصمة، أن عمليات شفط الدهون، خصوصاً على مستوى البطن، تأتي في مقدمة الطلبات، إلى جانب عمليات تجميلية مضادة للشيخوخة المبكرة، وبعدها عمليات إزالة التجاعيد. كما يكثر الطلب على عمليات نزع الشعر بالليزر، مشيراً إلى أن الليزر في الطب التجميلي متعدد المجالات، فيستخدم في إزالة أثار الجروح، التي يشكو منها بعضهم جراء التعرّض لحادث ما، إذ أثبتت هذه التقنية نجاعتها وأهميتها. ونصح الأشخاص الذين يعانون من تشوهات وندبات، بضرورة خضوعهم للعلاج في سنوات الشباب، كي يتفادوا خيار الجراحة الذي يصير أمراً لا مفر منه مع تقدّمهم في السن.