عندما وقف رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، الى جانب الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، يتحدث عن رغبته في سلام مع سورية كان موظفو حكومته يخططون لتهويد المزيد من الأرض السورية في الجولان والسيطرة عليها بخطوات تحمل رسالة استفزازية الى سورية والدول الساعية الى هذا السلام. ففي سابقة لم تقدم عليها المؤسسة الإسرائيلية منذ احتلال الجولان عام 1967، أعلن عن مناقصة رسمية تعرض فيها إسرائيل قسائم ارض للبيع في المنطقة التابعة لقرية عين قنية السورية. المناقصة بحد ذاتها خطوة خطيرة لمستقبل هذه الأرض السورية لكن الأخطر منها ما تضمنته شروط شراء هذه الأرض. فقد كتب في المناقصة ان على مقدم عرض الشراء ان يحمل مستندات تؤكد خدمته في واحد من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، أي أن يكون قد خدم في الجيش او في جهاز الاستخبارات. هذا الشرط بحد ذاته، استنهض سكان القرية ووطنيين من بقية القرى الجولانية المحتلة للتصدي لهذا المخطط والحفاظ على الهوية السورية لكل شبر ارض من القرى التي يسكنها الجولانيون. المناقصة وردت تحت اسم «دائرة أراضي إسرائيل» وهي مؤسسة حكومية نقلت اليها ملكية مساحات شاسعة من الأرض الفلسطينية والسورية التي تركها أصحابها عامي 1948 و1967. وتم ابلاغ سكان القرية بعرض بيع الأراضي عبر رسائل وصلتهم بصناديق البريد كما تم النشر في الموقع الإلكتروني لدائرة أراضي إسرائيل. ردّ الأهالي على هذه الخطوة بالتصدي لكل غريب يقترب من هذه الأراضي وبالقول «منذ اكثر من ثلاثة وأربعين عاماً لم تستطع إسرائيل إقناع او «تجنيد» شخص واحد من أحرار الجولان بالخدمة الرسمية والعلنية في أجهزتها الأمنية والعسكرية، لأن الجولانيين ما زالوا يرفضون الاحتلال الإسرائيلي، وأفشلوا العديد من المشاريع التي حاولت المس بانتمائهم الى الوطن الأم سورية أرضاً وشعباً وهوية... وأي شخص تسول له نفسه التقدم للخدمة في أي جهاز أمني إسرائيلي، يُعرض نفسه وعائلته إلى اشد أشكال العقاب الاجتماعي والديني والوطني كما تنص بنود الوثيقة الوطنية لجماهير الجولان في عام 1981». ويتوقع الأهالي ان تسعى المؤسسة الإسرائيلية الى بيع هذه الأراضي للمستوطنين اليهود أو عملاء الاحتلال الذين يسكنون في إسرائيل. ومضى الأهالي يقولون في ردهم على المناقصة «ان دائرة أراضي إسرائيل التي اعتادت نهب أراضي الجولان ومصادرتها واقتلاع أشجار المزارعين وسرقتها، تحت جنح الليل، تحاول اليوم وبعد وحدة الموقف والقرار الاجتماعي والديني في مجدل شمس بخصوص أراضي وقف مجدل شمس، زرع فتيل الفتنة، والاستهتار بعقول الناس، خصوصاً الأجيال الشابة، من خلال إعادة طرح فكرة الخدمة الأمنية في أجهزة دولة الاحتلال. هذا المشروع داسته أقدام الجولانيين، منذ أكثر من ثلاثين عاماً، لأن الانتماء لا يتقادم مهما طال أمد الاحتلال، والحقائق التاريخية لن تستطيع قوة مهما بطشت وعلت وعظمت محوها من ذاكرة الأجيال... إن دائرة أراضي إسرائيل تمنح أملاكاً مسلوبة بقوة قوانين الاحتلال، وتحاول شراء الناس بإغراءات مادية وامتيازات تعتقد إنها مُسلية، ففاقد الشيء لا يعطيه، والنوايا الإسرائيلية المُبيتة للجولان ما زالت تؤرق حكام دولة الاحتلال، ومحاولات تجزئة قضايا الجولان واختزالها إلى قرى وعائلات وأشخاص وقضايا ومشاكل عينية، هي في النهاية لضرب وحدة الموقف الجولاني». عشرات المشاريع الاستيطانية منذ احتلال الجولان تركت إسرائيل القرى التي بقي فيها سكانها لتصرفهم بالأرض والبناء عليها، فيما حولت القرى المهدومة والمهجرة الى مراكز لمشروعها الاستيطاني في الجولان وأقامت فيها مشاريع اقتصادية وإسكانية وسياحية واستثمارية بهدف «إنعاش هذه المنطقة لاعتبارها منطقة استراتيجية هامة لإسرائيل»، وحولت المناطق السورية جنوب الجولان الى أهم المناطق في إسرائيل كلها. وفي ظل السياسة الإسرائيلية المفروضة على هذه المنطقة المحتلة بقيت القرى الجولانية غير قادرة على التطور والبناء، ونفذت إسرائيل على حساب تطوير الأراضي الزراعية للسوريين مشاريع ري وزراعة في المستوطنات فاتسعت الفجوة بين الطرفين، بحيث تطورت المستوطنات واتسعت وازدهرت مشاريعها الاستيطانية فيما القرى الجولانية تعيش ظروفا قاسية وصعبة الى حد أنّ المزارع الجولاني يجد نفسه عاجزاً أحياناً حتى عن صيانة أرضه والحفاظ عليها. ومع ارتفاع ملف السلام السوري – الإسرائيلي من جديد الى الأجندة الدولية تنفذ إسرائيل واحداً من أضخم المشاريع الاستيطانية في الجولان أطلقت عليه اسم «سي هغولان» (أي قمة الجولان)، وفي محاولتها القضاء على كل أثر سوري في المنطقة اتخذت من قرية الواسط المدمرة مركزاً لهذا المشروع، وقررت تحويل بيوت ما زالت قائمة منذ احتلال الجولان الى مراكز لمشروعها الاستيطاني. وأنجزت خلال شهر المرحلة الأولى من المشروع وشملت تحويل بيوت كان يستخدمها الضباط والجنود السوريون الى مركز للاستعلامات السياحية ومطعم كبير للسياح وحانة تحوي النبيذ الفاخر الذي ينتج في مستوطنات الجولان ومتنزه أقيم على مساحة واسعة من المنطقة السورية المعروفة ب «قصر الأمير». حيث وضعت أعمال فنانين تشكيليين ونحاتين من المستوطنات لتمحو المعالم والرموز التاريخية والحضارية لهذه المنطقة السورية. والمنطقة التي اقيم عليها المشروع هي آخر ما تبقى من قصر الفاعور، أمير قبائل الفضل الجولانية، وزعيمها. ووفق ما تخطط إسرائيل سيتم ترميم المنطقة، في غضون اشهر قليلة، بما في ذلك قنوات مياه قصر الأمير، ومبنى القصر المميز ذي القناطر الحجرية. هذه المشاريع جعلت مدينة الواسط السورية مستوطنة صغيرة متطورة يؤمها المئات من الإسرائيليين والسياح الأجانب، ومن شأنها ان تتحول في غضون اشهر الى واحدة من اهم المراكز السياحية في منطقة الشمال عموماً، والجولان بشكل خاص. كيف تصدأ صواريخ «حزب الله» ؟ في ظل ما يشهد الجولان من مشاريع ومخططات تهويد في موازاة ما تثيره اسرائيل من رغبة في سلام مع سورية يرى الخبير في الشؤون السورية - الإسرائيلية، ثائر ابو صالح، من سكان مجدل شمس المحتلة «ان إسرائيل بخطواتها الحالية في الجولان تضرب عرض الحائط احتمالات التفاوض، وبمثل هذه المشاريع تعزز إسرائيل استيطانها ورغبتها في مواصلة السيطرة على الجولان، وهو أمر لا يجلب إلا المزيد من العراقيل وتأخير احتمال الجلوس إلى طاولة المفاوضات». وتتعالى الأصوات، في أوساط عسكرية وسياسية إسرائيلية، داعية رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو الى عدم تفويت فرصة مفاوضات السلام مع سورية، وينطلق هؤلاء من انه «في اتفاق سلام مع سورية تكمن فضائل استراتيجية لإسرائيل. خطر الحرب سيقل، اذا حلت محل التأهب المتوتر على جانبي «الستار الحديدي» في الجولان، ترتيبات امنية مستقرة مع إسناد دولي». ويضيف أصحاب هذا الرأي: «بوضع كهذا ستحظى إسرائيل بحدود معترف بها مع جارة أخرى، وفي المقابل تنتقل سورية الى المعسكر المؤيد للغرب ما يضعف التحالف الذي تقوده إيران ضد إسرائيل ويكبح جماح حزب الله، وفي هذا الوضع سيتمكن لبنان من الانضمام الى دائرة السلام في أعقاب السوريين. وعليه، يؤكد أصحاب هذا الموقف ان «من يرغب في ان تصدأ صواريخ حسن نصرالله في المخازن، عليه ان يحقق تسوية مع الأسد». الخبير في الشؤون السورية، اوري مسغاف يقول «ان رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو لم يكن أبداً ملتزماً موقف الحفاظ على الجولان بأيدٍ إسرائيلية. في ولايته السابقة تفاوض مبعوثون مكلفون منه على إعادة الهضبة. دوري غولد، اسحق مولكو، وقبلهم جميعاً رون لاودر، ساروا بعيداً جداً في رسم اتفاق سلام مع السوريين، يقوم على أساس انسحاب كامل وإخلاء كل المستوطنات»، ويضيف مسغاف: في حينه تباهى نتانياهو في محادثات مغلقة بإنجاز اختراق للطريق عندما تحدث عن «موافقة سورية على مواصلة الوجود الاسرائيلي في الهضبة». ويتبين من ذلك ان ما وافق عليه السوريون، كان انتشار مراقبين في محطة إنذار مبكر تقام على جبل الشيخ، بتشغيل أميركي أو فرنسي. وينقل مسغاف مواقف اكثر من مسؤول إسرائيلي تؤكد ان ترتيباً كهذا من شأنه اليوم ان يذلل عقبات الوصول الى سلام ويقول: «عندما يكون الوضع هكذا، وبالتوازي مع المأزق مع الفلسطينيين، لا شك ان القناة الاسرائيلية – السورية ستسخن بسهولة. الرئيس السوري يطلق إشارات علنية. الفرنسيون والاتراك والكرواتيون ينقلون رسائل ويقترحون ان يكونوا وسطاء. فردريك هوف، نائب جورج ميتشيل والمسؤول عن الملف السوري – اللبناني، يمضي في دمشق وفي بيروت اكثر مما يمضي في واشنطن». ويلفت مسغاف الى ان ثلاثة من وزراء «السباعية» في حكومة نتانياهو: ايهود باراك، وافيغدور ليبرمان ودان مريدور يؤيدون التقدم مع السوريين. رئيس الاركان غابي اشكنازي هو أيضاً مؤيد الانسحاب، منذ عهده كقائد للمنطقة الشمالية». وفي رأي مسغاف فإن مشروع «حديقة السلام» يساعد نتانياهو في التوصل الى اتفاق مع سورية اكثر من اي رئيس حكومة سابق، لم يطرح أمامه مثل هذا المشروع. وفي إطار «حديقة السلام» سيتحول حوالى نصف أراضي الهضبة الى محمية طبيعية تحت السيادة السورية، ولكن باستخدام حر من الطرفين. ويقول مسغاف «منذ ان أودع اسحق رابين عام 1993 في يد وزير الخارجية الأميركي وارن كريستوفر موافقة إسرائيلية على انسحاب كامل مقابل سلام كامل، لم يطرأ أي تغيير ذي مغزى في هذا الشأن، لا في حجم التنازلات التي يتعهد بها الطرفان في نهاية المسيرة ولا في خريطة مصالحهما. والنشيد الذي يتماثل اكثر من غيره مع الموقف الإسرائيلي من الهضبة هو «ها هي جبال الجولان هناك، مدّ يدك والمسها». لكن الحقيقة السياسية هي أن الاتفاق على الرف وما على نتانياهو إلا ان يمد يده ويلامسه.