ترى الشاعرة الكويتية عائشة العبدالله، التي أصدرت ديوانها الأول: «خمسة أوتار في يدي» ووقعته في معرض الكتاب الدولي بالكويت، أن البطولة هي أن تسبح بعكس التيار. والوطن لديها محصور في قلوب الذين نحبهم ويحبوننا. تكتب العبدالله حتى يمرّ الجرح أخفّ على الذاكرة، وحتى يبتسم العابس في وجه يومه. ومع يقينها بأن الكتابة لا تمحو سواد العالم، لكن حسبها في الكتابة أنها تحاول وتحاول، حتى تغني امرأة وحيدة. «الحياة» التقتها وحاورتها في الشعر وقضايا أخرى. فإلى نص الحوار: «سأكتب كثيراً، حيث الوحشة دميتي الوحيدة التي تشاطرني عتمة العالم». الكتابة فعل مقاومة حياتية، ما الذي تهبك إياه الكتابة؟ - العالم في الواقع مليء بالتفكك والنقصان، والكتابة تهبني ترميم العالم في داخلي، أنا أنحني على ورقتي، كي أنجو من النبال الكثيرة التي ترميها الحياة. تبكي.. تكتب.. تغني.. ترقص مثل بجعة سوداء.. ولا يليق بك إلا الوحدة. هل تؤمنين بأن حياة الوحدة مصير كل الأرواح العظيمة؟! - يقول بودلير: «البطل الحقيقي يلهو وحيداً» نعم أؤمن بذلك، الانجراف مع التيار أمر مألوف، البطولة في السباحة بعكس التيار. «الموسيقى تعبر عما لا يمكنك قوله ولا تستطيع السكوت عنه». هذا بحسب فيكتور هوغو. لكنك يا عائشة تخلقين من خلال قبلة لخمسة أوتار نافرة ترنيمتك. كيف تحضر الموسيقى في حياتك؟ - تحضر في كل صوت يعبر القلب ويصافحه، وفي كل لمسة وهمسة وابتسامة حقيقية، الموسيقى هي الكلام الذي يصل قبل النطق به. البحر لا ينتظر أحداً. إلى أين يأخذك البحر يا عائشة؟ - إلى حيث للموجة وطن، وللملح دمعة فرح، وللراحلين وشاح يفي بالعودة. روحك الحالمة تشتاق غابة أو حجر؟ - تشتاق عشبة خضراء، سواء أكانت في غابة، أم بين نتوء حجر، تشتاق إلى أيّ ابتسامة تكسر أنف العالم، إلى أية شمعة تتمرد على الوعاء الضيق الذي صنعوه لها وتضيء. لأنك مشتعل كاللهب، لا تمنعك الأبواب، ولأنني مدفوعة كالريح، لا يوقفني الرصاص. حب كهذا أي وطن يحتويه؟ - بالنسبة لي الوطن هو قلوب الذين نحبهم ويحبوننا، وحده هذا الحب زهرتنا وجامعتنا وطريقنا وبوصلتنا، وحده إبهام القلب الذي يبقى إلى الأبد. كلما تدقُ الساعة العاشرة مساء.. يتلوّى عصفورُ في صدري، وترتعدُ فراشة..! الوقت يسرق أجمل اللحظات، لكنه يحضر مثل شيطان، هذا الذي له القدرة على أن يقتحم هدأة العصفور ويرجف الفراشة؟! من أين لنا أن نهزمه؟! - كل ما نحاول فعله هو أن نهزمه بالفرح، أن نقطف كل وردة قبل الذبول، ونلتهم كل حلاوة يأتي بها اللقاء، قبل أن تنتهي صلاحيتها. لأجل أن أسير معك، أسمي الأشياء بمعناها، لا بأسمائها. اشتراط كهذا ألا يفسد متعة الاكتشاف؟! - هذا ليس اشتراطاً، بل هو اكتشاف خلقه شعور لحظة ما، والشعر إخلاص لصدق اللحظة، قبل أن يكون تحقيقاً لفكرة. «لا تنتهي القصيدة أبداً، بل تُترك». (بول فاليري) كم تركت من قصائد لم تكتمل بعد؟ - الكثير والكثير، ولا زال في الكون متسع للقصائد، والقصيدة التي لم تكتمل هي البذرة التي تدفع القلب لكتابة قصيدة أخرى. «أحاولُ أن أكون شاعراً في القصيدة وخارجها، لأن الشعر موقف من الحياة، وإحساس ينساب في سلوكنا» (محمد الماغوط). إلى أي حد ترى العبدالله هذا الكلام يتماهى مع رؤيتها الحياتية؟ - لأن الشعر يبدأ من القلب، والقلب هو المحرك للجوارح، سيبقى الشاعر عصفوراً منتفضاً في الحياة كما في القصيدة، مثل تنّورٍ مشتعل لا يهدأ، مثل غيمة تحاول أن تقلد دور لحاف أبيض في ليالي الشتاء الطويلة. «الكتابة ليست إلا حلماً موجهاً». (خورخي لويس بورخيس). ما الذي تشكله الكتابة في عالمك؟ - أعرفُ أنّ الكتابة لا تمحو سواد العالم، لا توقفُ الحروب ولا تردعُ الظلم والقهر والقسوة، لكنها النبتة الوحيدة التي لا تصفرّ في أيدينا، الفسحة التي تخبرنا أن الجمال كائن قائم بحدّ ذاته، حتى وإن لم يقلب الواقع حولك. أكتب كي يمر الجرح أخف على الذاكرة، كي يبتسم العابس في وجه يومه، كي تأخذ الكائنات الصغيرة والعابرة حقها، كي تولد قصيدة يقرؤها عاشق لحبيبته. كي تغني امرأة وحيدة. أكتب لأن النبال ترمى نحوي باستمرار، وها أنا أضطر - كي أنجو - أن أحني ظهري كل مرة على الورقة. ماذا بعد «خمسة أوتار في يدي»؟ وهل فوز نشمي المهنا عن الشعر في جائزة الدولة هو انتصار للشعر الحديث في الساحة الكويتية التي كانت تنحاز دوماًً إلى الشعر الإيقاعي - التقليدي؟ - أعمل حالياً على ديوان آخر، لكنه لم يكتمل بعد. وأنا سعيدة بلا شك بفوز الشاعر نشمي المهنا، وأتمنى أن يكون فعلاً ذلك الفوز خطوة جديدة في تقدم مفهوم الشعر وانتشاره والاحتفاء به من دون حصره في شكل أو قالب معين.