في خيمة انتصبت عند دوار المنارة، وسط مدينة رام الله، بدت رانية، الطالبة في جامعة بير زيت الفلسطينية متحمسة للتبرع بدمها، في اليوم الثاني على انطلاق الحملة الوطنية الفلسطينية لتبرع الشباب بالدم منذ أقل من شهر. وراحت رانية تشجع الكثيرين من زميلاتها في الجامعة على التبرع بوحدة من الدم، بهدف تزويد بنك الدم الفلسطيني بما يلزمه من رصيد احتياطي، تستخدمه وزارة الصحة الفلسطينية في حالات الطوارئ. وفي الوقت الذي تشدد فيه الحملة على أهمية البعد الإنساني رأت رانية أنها أيضاً تكسر الحواجز بين شباب الضفة الغربية وإخوتهم في قطاع غزة، حيث سيتم نقل كميات من الدم من مدن الضفة إلى القطاع لمساعدة المرضى المحتاجين في ظل تفاقم الحصار المفروض على غزة. وتقول رانية: «ذات يوم تناقشت مع شاب من غزة، وكانت له صورة غير دقيقة عن مشاعرنا في الضفة تجاههم، وكان يعتقد أن الانقسام الداخلي قد يجعلنا ننسى أنهم يعانون من حصار خانق، وظروف صعبة على أكثر من صعيد. هذه الحملة تؤكد له ولغيره أننا في خندق واحد، فدماؤنا ستسري في أجساد إخوتنا وأخواتنا في غزة». وتضيف: «أتمنى أن تكون هذه الدماء رسالة للتوحد، ونبذ الفرقة والانقسام». ويؤكد عبدالله (27 عاماً)، ويعمل في أحد المصارف الفلسطينية: «أهداف الحملة نبيلة للغاية وما دفعني للقدوم إلى هذه الخيمة، والتبرع بالدم، هو البعد الإنساني بالدرجة الأولى والبعد الوطني. فقد انطلقت الحملة من القدس، وتشمل كل المحافظات، وستنقل كميات مما نتبرع به من دماء إلى أهلنا في غزة، وكأننا نؤكد أن دمنا الذي سال بأيدينا أكثر من مرة في السنوات الثلاث الأخيرة، يبقى «دماً واحداً» بغض النظر عما يراه ويريده السياسيون في هذا الفصيل أو ذاك... وفي هذه الحكومة أو تلك». أما منال (26 عاماً)، وتعمل في المحاماة، فأشارت إلى أنها حين تبرعت بدمها، طلبت من المشرفين على خيمة الحملة الوطنية لتبرع الشباب بالدم، أن يتم نقل دمها، ودم شقيقاتها، إلى ابنة خالتهن التي ترقد في أحد مشافي غزة، ووعدوها بذلك إن أمكن، بعد أن زودتهم بتفاصيل عن قريبتهن المريضة، والتي تحول سلطات الاحتلال دون نقلها للعلاج في الخارج. وأكد وزير الصحة الفلسطيني الدكتور فتحي أبو مغلي، أن الحملة الوطنية للتبرع بالدم، التي انطلقت قبل أيام، تهدف إلى توفير الدم الكافي والآمن لجميع أفراد الشعب الفلسطيني، ما يعزز الخطط الوطنية لتطوير القطاع الصحي بمؤسساته وبنيته التحتية وخدماته وكادره الوظيفي المميز، وبما يمكن من تقديم أفضل الخدمات الصحية وفق أحدث معايير الجودة العالمية. وأضاف أبو مغلي: «المشافي والمراكز الصحية الفلسطينية تستهلك سنوياً نحو ثلاثين ألف وحدة من الدم. في الماضي كنا نستورد هذه الكميات من الخارج بكل ما يترتب على هذه العملية من مخاطر وتكاليف باهظة، لكننا الآن ومع تأسيس بنك الدم وإطلاق الحملة الوطنية للتبرع، فإننا نسعى الى تأمين هذه الكميات محلياً، عبر تكريس تقاليد التبرع الطوعي. هذه الحملة ستساهم في تأمين حاجة فلسطين من الدم بشكل كاف وآمن». وأشاد أبو مغلي بدور الشباب مشيراً إلى أن فعاليتهم وحماستهم لمثل هذه الحملات التطوعية شجعتا الوزارة على إطلاق هذه المبادرة. وقال: «أدرك الشباب أن التبرع بالدم يمثل سلوكاً إنسانياً نبيلاً، وقد تسهم وحدة الدم التي يقدمها أحدهم في إنقاذ حياة إنسان». ويجري التنسيق بين وزارة الصحة الفلسطينية، ووزارة التربية والتعليم العالي، لتعميم الحملة داخل الجامعات والمدارس خصوصاً الثانوية منها. وفي هذا السياق يقول جهاد زكارنة، الوكيل المساعد في وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية: «حملة تبرع الشباب بالدم تحمل في طياتها أهدافاً نبيلة تتمثل في المبادرة، وتعزيز السلوك الإيجابي، وإرساء ثقافة المشاركة والمسؤولية، فالدم يهب الحياة، والحياة تفقد جمالها بغير التكافل والإحساس النبيل».