تضم قائمة العلماء العرب المتألقين في الولايات المتحدّة، مجموعة ممن تلقوا العلم فيها بسبب الهجرة القسرية، ونجحوا. ومن هؤلاء العلماء، يظهر الفلسطيني منير نايفه (64 سنة)، الذي ما زال مستمراً في عطائه. وحصّل دراسته الإبتدائية والثانوية في بلدته الشويكة، ثم انتقل الى مدارس البيرة ورام الله واربد. ونال البكالوريوس في الفيزياء من الجامعة الأميركية في بيروت (1968). واتبعها بالماجستير (1970)، قبل أن يسافر الى الولاياتالمتحدة اثر تلقيه منحة دكتوراه من جامعة ستانفورد (كاليفورنيا) للتخصص في الفيزياء الذرية والليزر. وسرعان ما أظهر اهتماماً بدراسة ذرّة الهيدروجين باستخدام أشعة الليزر. وفي لقائه مع «الحياة»، فسر هذا الاهتمام بقوله: «تشكّل ذرة الهيدروجين أصغر مكوّنات المادة. وتدخل في تفاعلات كيماوية لا حصر لها». وبعد أن نال الدكتوراه (1974)، عمل مُدرّساً في جامعة «يال»، وباحثاً فيزيائياً في معمل «أوك ريدج» الشهير. كما درّس في جامعتي «كنتاكي» و«آلينوي» التي ما زال في صفوفها منذ العام 1980. ويرأس راهناً شركة «نانوساي أدفاندس تكنولوجي». الكتابة بالذرّات انطلق نايفه من أسئلة عالم الفيزياء الشهير ريتشارد فاينمان التي طرحها عام 1959 عن إمكان التحكّم بالذرّات بدل من استخدامها في صنع القنابل النووية. وفي مطالع الثمانينات من القرن الماضي، استطاع نايفه مع فريق في مختبرات «أوك ريدج» عزل ذرّة مفردة من الهيدروجين ورصدها. وبعد عقد من الزمن تمكن من ان يتلاعب بالذرات ويعيد ترتيبها ويتفنّن في رصفها على هيئة أشكال هندسية فوق سطوح مواد متنوعة. ووصف نايفه الأمر بأنه «الكتابة بالذرات». وأشهر ما رسمه قلب بداخله حرف «بي» p بقياس خمسة بالمليون من الملليمتر. واعتبره بعضهم دليلاً على ولع نايفه بالفيزياء. ورأه آخرون رمزاً لحبه لفلسطين. أحدث عزل نايفه للذرّات وترتيبها على سطوح المواد، دهشة عارمة علمياً وإعلامياً. ومثلاً، نُشِرت الرسوم حينها، على غلاف مجلة «نيوساينتست» البريطانية. وأشارت «الموسوعة البريطانية» الى ان تقنية نايفه في عزل الذرّات ورصفها تشكّل سبقاً في علم الذرّة. وأوضح نايفه ل«الحياة» أن التجارب على الذرّة المُفردة «تساعد في الكشف عن تجمّعات ذرّية متدنية النشاط، كحال معاينة المفاعلات النووية للتأكد من عدم حدوث تسرب إشعاعي منها، ما يقي من حدوث كوارث في تلك المفاعلات». وقال: «تفيد مراقبة الذرّات المُفردة في معرفة أشياء مثل نشاط الشمس الذي يترافق مع إطلاق بعض الجسيمات الصغيرة من مُكوّنات الذرّة». وتحدّث عن النانوتكنولوجي Nanotechnology وهو علم يتعامل مع المادة على مقياس النانو الذي يساوي واحداً من المليون من الملليمتر، ويستخدم لقياس الذرة والإلكترونات التي تدور حول نواتها. والمعلوم أيضاً أن لفظة «نانو» تعني القزم باليونانية. ولفت إلى أن خصائص المادة عند مقياس النانو تختلف عن خصائصها التقليدية. وبيّن أنه قَطّعَ شرائح مادة السيلكون التي تستخدم في صنع الترانزستور ورقاقة الكومبيوتر، إلى أن وصل الى مقياس النانو المُفرد، ما يعتبر أصغر حبيبة نانوية للسليكون. وأوضح أن هذه الحبيبات تتألق بألوان الطيف المرئي (أي الأحمر والأصفر والأخضر والأزرق) بحسب طول قطرها، عندما تتعرض للضوء فوق البنفسجي، على نقيض المادة الأم التي تتميّز بعتمتها. وأشادت مجلات علمية بالإنجاز الذي حفز جامعة «إلينوي» على مساعدة نايفه في تأسيس شركة «نانوساي أدفاندس تكنولوجيز» NanoSi Advanced Technologies لتسويق حبيبات السيليكون النانوية التي صارت تستعمل بكثافة في الأجهزة الإلكترونية المتصلة بالإضاءة والطب ومعدات توليد الطاقة وغيرها. وأدى هذا الإنجاز أيضاً إلى إدراج اسم نايفه في عداد رواد النانوتكنولوجي في كتاب عنهم للأميركي للمؤلف ستيفن ادوارد عنوانه: «إلى أين يأخذنا رواد النانوتكنولوجي؟». وفي هذا السياق، أوضح نايفه أن تقنيات النانو تستعمل راهناً لزيادة كفاءة عمل رقاقات الكومبيوتر وزيادة سعة ذاكرته وخفض استهلاكه من الطاقة. كما تستخدم في تطوير الأسطوانات الرقمية المدمجة كي تتضاعف سعة تخزينها آلاف الأضعاف. وأشار إلى ان الاختصاصيين في «معهد ماساتشوستس للتفنية» لفتوا، خلال «منتدى دافوس 2009» إلى علاقة النانوتكنولوجي بالرعاية الصحية، إذ توقعوا ظهوراً قريباً لأدوات إلكترونية نانوية تُحقن في الدورة الدموية لتعطي معلومات دقيقة عن الجسم وأنسجته وتراكيبه المختلفة. ونبّه نايفه إلى استخدام النانوتكنولوجي في تحسين قدرة الخلايا الشمسية على تحويل الضوء إلى طاقة كهربائية، ما يعتبر جزءاً من بحوث الطاقة البديلة. وأوضح أن وضع حبيبات السليكون النانوية على سطح الكربون، يتيح لها أن تعمل على توليد الكهرباء من خلال أكسدة الايثانول والميثانول. النانو للأطفال ونشر نايفه قرابة 170 بحثاً علمياً. ونال 100 جائزة عن بحوثه في الفيزياء الذرية والجزيئيات وعلوم الليزر. وألّف 4 كتب، يُدَرّس أحدها في جامعات أميركية، إذ يتناول الكهرباء والمغناطيسية. وتتمحور كتبه الأخرى حول تقنية الليزر وتطبيقاتها. ويعكف على تأليف كتاب بعنوان «شرح العلوم والتكنولوجيا النانوية للطلاب»، ضمّنه قصصاً قصيرة للأطفال عن الموضوع عينه. وتعمل الدكتورة ابتسام العليان من «جامعة الملك سعود بن عبد العزيز» على ترجمة هذا الكتاب الأخير إلى اللغة العربية، أولاً بأول. وسجّل نايفة 24 براءة اختراع في أميركا وأوروبا واليابان. واحتل مكانة مرموقة في موسوعات مثل «بريتانيكا» و«كتاب العالم» و«ماغرو هيل» وغيرها، إضافة إلى «المعجم الدولي للسير الذاتية» و«قائمة رجال الإنجازات الأميركيين». ولعل من الطريف الإشارة الى أن أبناء نايفه الأربعة حذوا حذو أبيهم. فتخصص حسن (دكتوراه من «معهد ماساتشوستس للتقنية») في تطوير الترانزيستورات النانوية. ويعمل حالياً في شركة «آي بي أم» IBM الشهيرة للكومبيوتر في نيويورك. وتخصّص عماد (دكتوراه من جامعة ستانفورد) في تطوير ترانزيستورات نانوية من معدن الجرمانيوم. ويعمل في شركة «إنوفوتيف سيلكون». وكرّس أسامة (دكتوراه من «معهد ماساتشوستس للتقنية») جهوده لتطوير الذاكرة الرقمية نانوياً. ويعمل في المعهد الذي تخرج منه. وتخصّصت مها في تقنية النانو، وتعمل في بلدية دبي. والجدير بالذكر ان مجلة «فوربس- القسم العربي» أطلقت على هذه الظاهرة الفريدة لقب «عائلة الترانزيستورات». تواصل عربي ودولي ولم تقتصر علوم نايفه وبحوثه وإنجازاته على الوسط العلمي الاميركي. وسعى الى تعزيز التعاون مع الجامعات ومراكز البحوث العربية، خصوصاً في الأردن وفلسطين والمملكة العربية السعودية. وقد أدى تعاونه مع «مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا» و«جامعة الملك سعود» الى تسجيل براءات اختراع مشتركة في حقل النانو مع الولاياتالمتحدة الاميركية. وشارك علماء عرب في تلك الاختراعات منهم ليلى ابوحسان وزين اليماني وعبد الحسن المهنا وتركي آل سعود ومحمد الصالحي وابتسام العليان وحنان ملكاوي وعبد الله الضويان ومنصور لحوشان وعبد الرحمن الحوتان وسلمان الركيان. وكشف نايفه انه يتعاون مع شركات أجنبية عملاقة مثل «داو كاميكال» الكورية (Daw Chamical) و«لوريال» الفرنسية لتحضير المواد الكيماوية بطرق نانوية، وبالتالي تنقيتها من المكوّنات المضرة. وكذلك شكّل نواة أولى للوبي علمي عربي يضم شبكة من العلماء العرب المنتشرين في أميركا وأوروبا وكندا. ويعتبر هذا اللوبي محاولة جادة أولى لتنشيط الكفاءات العربية وتفعيلها، وتوثيق عرى التعاون في إطار الجامعات ومراكز البحوث التي يعملون فيها . وإضافة إلى مهماته الجامعية، يعمل نايفه مستشاراً في «مركز النانو» في «جامعة الملك فهد» في الظهران وفي «معهد الملك عبد الله لعلوم النانو وتقنياته» في «جامعة الملك سعود». وأخيراً، تحدث عن الصعوبات التي قد تعرقل مسيرة العالِم العربي في الغرب (خصوصاً الولاياتالمتحدة) أو تحد من نجاحه وشهرته، واصفاً إياها ب«النادرة». واختتم كلامه قائلاً: «إذا كان لا بد من الاغتراب، فليكن في اميركا»، في إشارة الى ما هيأت الولاياتالمتحدة له ولغيره من علوم وبحوث ومكانة أكاديمية وشهرة عالمية يعزّ مثيلها.