سعت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى طمأنة العرب في خصوص التزام بلادها تحقيق السلام وعدم تغير الموقف الأميركي من عملية الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، مؤكدة التزام الولاياتالمتحدة تحقيق حل الدولتين. وشددت على أن سياسة بلادها إزاء الاستيطان «لم تتغير»، وقالت: «ما زلنا لا نقبل شرعية المستوطنات». لكنها اعتبرت أن «التفاوض بعمق على قضايا الوضع النهائي سيتيح لنا وضع نهاية للأنشطة الاستيطانية». وطمأنت كلينتون العرب في خصوص مستقبل القدس، مؤكدة أن النقاش في شأن «إقامة دولة فلسطينية يجب أن يستند الى الأراضي التي احتلت عام 1967 ... وهذا يتضمن القدسالشرقية» كعاصمة للدولة الفلسطينية. وأعربت عن قلق بلادها إزاء أوضاع الشعب الفلسطيني فى غزة. من جانبها، دعت مصر إلى بدء المفاوضات من دون التمسك بأي شروط، على أن «تقوم على أسس واضحة يعد لها إعداداً جيداً». مبارك يهاتف عباس وكانت كلينتون التقت في القاهرة أمس الرئيس حسني مبارك بعد لقائها مساء أول من أمس وزير الخارجية أحمد أبو الغيط ورئيس الاستخبارات الوزير عمر سليمان. وأجرى مبارك عقب المحادثات اتصالاً هاتفياً بالرئيس محمود عباس بحثا خلاله «جهود إحياء عملية السلام والجهود الموازية لتحقيق الوفاق الوطني الفلسطيني». وأعربت كلينتون عن امتنانها وسعادتها بلقائها مبارك، مشيرة إلى أن محادثاتها مع الرئيس وكذلك مشاوراتها المطولة مع أبو الغيط وسليمان «كانت بناءة للغاية وإيجابية وشملت كل القضايا». وقالت خلال مؤتمر صحافي مشترك مع أبو الغيط عقب لقائها مبارك: «من الطبيعي أن المشاورات تركزت على عملية السلام وجهود دفعها قدماً .. أكدت للرئيس مبارك أن الرئيس باراك أوباما والمبعوث الأميركى الخاص للشرق الأوسط (جورج ميتشيل) وأنا شخصيا ملتزمون تماماً ورسمياً وبشكل شخصي تحقيق حل الدولتين والوصول إلى سلام شامل بين إسرائيل والفلسطينيين وكل الدول العربية المجاورة، وهذا التزام نؤكده للمنطقة عموماً، ولمصر خصوصاً». وأشارت إلى أنها أكدت مجدداً لمبارك أن الولاياتالمتحدة تشاركه قلقه واهتمامه إزاء أوضاع الشعب الفلسطيني في غزة، مضيفة أنها لا تزال تعتقد أن «بالإمكان الوصول إلى مخرج رغم الصعوبات المتراكمة من الماضي حتى يمكننا تحقيق ما نسعى إليه من حل الدولتين، ودعونا نركز على الحاضر لأننا لا نستطيع أن نغير الماضي، وعلينا أن نواصل العمل من أجل تحقيق الرؤية التي طرحها الرئيس أوباما والتي تصب في النهاية في مصلحة الأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين». ولفتت إلى أن المشاورات مع مبارك تطرقت كذلك إلى الملف النووي الإيراني، وجددت الموقف الأميركي الذي أعلنه أوباما من أن الوقت حان لكي تقرر الحكومة الإيرانية ما شكل المستقبل الذي تسعى إليه. وقالت: «أوضحنا للإيرانيين بكل وضوح أن للصبر حدوداً»، لافتة إلى أن اللقاء أتاح تناول عدد من القضايا الإقليمية والدولية كالأوضاع في أفغانستان واليمن ولبنان، «خصوصاً في ضوء ما نشترك فيه نحن ومصر من ضرورة تشكيل حكومة لبنانية قوية وذات سيادة تستجيب طموحات كل أبناء الشعب اللبناني». ورداً على سؤال عن أسباب تغير الموقف الأميركي بالنسبة الى مسألة الاستيطان مقارنة بما قاله أوباما فى خطابه بالقاهرة، قالت كلينتون: «أود في البداية أن أؤكد أن سياستنا لم تتغير، نحن ما زلنا لا نقبل بشرعية المستوطنات، ولدينا اعتقاد راسخ في هذا الصدد كان وسيستمر في المستقبل، وهو أن من المفضل إنهاء كل أشكال الاستيطان الحالي والمستقبلي، وهذا ما أوضحناه ونستمر في تأكيده». وأشارت إلى أن «الجانب الإسرائيلي قدم أفكاراً لتجميد كل أشكال الأنشطة الاستيطانية الجديدة، وإنهاء الاستيلاء على الأراضي، وعدم التصريح بالاستيلاء على المزيد من الأراضي في المستقبل، وهذا ليس ما تفضله الولاياتالمتحدة ... نريد إنهاء كل الأنشطة الاستيطانية إلى الأبد، لكنها خطوة توضح على الأقل أن هناك تحركاً باتجاه قضايا الحل النهائي، والموقف الأميركي يتشابه في هذا الصدد مع ما نرحب به أحياناً من مواقف فلسطينية تجاه مسألة ضبط الأمن، وعندما يحدث ذلك فإننا نؤيده ونعلن موقفنا، على الرغم من أن البعض لا يرى في تلك الإجراءات عملاً كافياً». وأضافت أن الولاياتالمتحدة ترى أن «التفاوض بعمق على قضايا الوضع النهائي سيتيح لنا وضع نهاية للأنشطة الاستيطانية لأننا سنتجه في المفاوضات إلى إقامة دولة فلسطينية، وهو الهدف النهائي للمفاوضات الذي نؤمن به ونسعى إليه». وعن الرؤية الأميركية للأفكار المصرية لتقديم ضمانات إلى الجانب الفلسطيني في شأن وجود حد زمني للمفاوضات وطرح قضايا الوضع النهائي، قالت كلينتون: «بحثنا هذا الموضوع بالتفصيل وفي شأن ما إذا كانت تلك الضمانات بارقة بناءة للتقدم إلى أمام، وهناك أفكار عدة مطروحة تلقينا بعضها من مصر، سأحملها معي لبحثها مع الرئيس أوباما». وأعربت عن تقديرها البالغ للمقترحات المصرية، وقالت: «إنه لأمر مؤلم للغاية بالنسبة الي أن زوجي (الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون) حاول وبمساعدة من مصر التوصل إلى اتفاق، وتم فعلاً إحراز تقدم في المفاوضات في طابا التي كانت ستؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية، لكن للأسف لم يتحقق ذلك حتى الآن ... أحمل معي إصراراً شخصياً بألا يؤثر أي شيء في إصرارنا والتزامنا المضي قدماً في عملية المفاوضات والسلام». ورداً على سؤال ل «الحياة» عن شكل الدولة الفلسطينية من وجهة النظر الأميركية، خصوصاً أن إسرائيل تخلق أمراً واقعاً على الأرض يؤثر في مستقبل تلك الدولة، قالت كلينتون: «أكرر هنا ما قاله الرئيس أوباما، سواء في خطابه في جامعة القاهرة أو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو أن الولاياتالمتحدة تعتقد أن إقامة دولة فلسطينية يجب أن تستند الى الأراضي التي تم احتلالها عام 1967 ... هذا التوجه ملائم وهو ما ناقشناه فعلاً، وما كانت تمت مناقشته من جانب الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون مع الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات، وما تجرى مناقشته حالياً بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وأيضاً أجريت مناقشته خلال عهد ادارة الرئيس جورج بوش، ولا أعتقد أن هناك شكاً لدى أي شخص بأن المضي قدماً نحو دولة تحقق طموحات الشعب الفلسطيني لا بد أن تتضمن هذه القضايا التي تمت مناقشتها والتي ذكرها الرئيس أوباما ... وهذا يتضمن القدسالشرقية»، مشيرة إلى أن «الخطوط التي كنا نتحدث عنها وقت إدارة الرئيس كلينتون كانت ستؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 4 حزيران (يونيو) 1967 مع تبادل بعض الأراضي، على أن يتم ذلك بموافقة كلا الطرفين، وكان ذلك سيؤدي إلى تأسيس عاصمة فلسطينية في القدسالشرقية، وإلى وجود مسؤولية مشتركة بدعم دولي لحماية الأماكن المقدسة لأتباع الديانات السماوية الثلاث». وعقّب أبو الغيط قائلاً: «نحن مع هذا الموقف الذي تحدثت عنه وزيرة الخارجية الأميركية، ونوافقها تماماً، ونؤيد هذا الموقف الأميركي الذي يعكس الاقتناع بدولة فلسطينية قادرة تقام على كامل الأرض الفلسطينية التي احتلت عام 1967، أي 100 في المئة من الأرض تعود للفلسطينيين، حتى من خلال تبادل أراض، والقدسالشرقية عاصمة هذه الدولة، وهذا كلام نؤيده بكل وضوح». ووصف محادثات كلينتون مع مبارك بأنها «كانت مثمرة للغاية، وستكون لها فوائدها ونتائجها الواضحة في المستقبل». وقال أبو الغيط إن المشاورات المصرية - الأميركية «كانت مفيدة للغاية واتسمت بكثير من الصراحة والوضوح، وأيضًا بالتفاهم المصري - الأميركي إزاء الكثير من القضايا». وعما إذا كانت مصر مقتنعة بأن الولاياتالمتحدة تؤيد فعلاً تجميد الاستيطان، قال أبو الغيط: «في ما يتعلق بالموقف الأميركي من الاستيطان، سمعنا باهتمام كبير اليوم وأمس التصورات التي تفيد بأن هناك تراجعاً أميركياً في هذا الخصوص، وتحدثنا في هذا الموضوع بقدر كبير من الوضوح والصراحة، واستمعنا للرؤية الأميركية القائلة بأن الولاياتالمتحدة تتمسك برؤيتها في عدم شرعية الاستيطان، كما تتمسك برفض استمرار عمليات الاستيطان، (لكن) الجانب الإسرائيلي لم يستجب الرغبات الأميركية التي طرحت عليهم مرات عدة، وبالتالي فإن الولاياتالمتحدة لم تغير موقفها في ما يتعلق بالاستيطان، والولاياتالمتحدة تطالب الأطراف بأن تبدأ التفاوض»، مضيفاً: «رد مصر في هذا الشأن هو أن الجانب الإسرائيلي هو الذي يعوق العملية ويعرقلها، كما أنه هو الذي يضع شروطاً لبدء المفاوضات متمثلة في استمراره في التمسك بعمليات الاستيطان حتى ولو كانت محدودة ... الوزيرة الأميركية ترى أن هناك تقدماً في ما يتعلق بإقناع إسرائيل بتجميد عمليات الاستيطان بشكل ربما غير كامل، أما الرؤية المصرية فهي أننا يجب أن نركز على نهاية الطريق، ويجب ألا نضيع الوقت في التمسك بهذا الأمر أو ذاك كبداية للمفاوضات، ويتوجب علينا أن نركز على نهاية الطريق، وأن نستمع إلى موقف أميركي واضح في ما يتعلق بنهاية الطريق، وأن تلتزم الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولي الوقوف إلى جانب الأطراف للمضي في مفاوضات تقوم على أسس واضحة يعد لها إعداداً جيداً».