أكتب قبل نهاية الجلسة في فيينا تحت مظلة وكالة الطاقة الذرية الدولية للبحث في برنامج إيران النووي، فما سمعت حتى ظهر الأربعاء، بعد تأجيل الجلسة الثانية الثلثاء، هو تكرار لما سمعنا جميعاً وإيران تجتمع مع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا في جنيف في مطلع هذا الشهر. الوضع هو التالي: الدول الغربية الأربع، بتحريض من إسرائيل، تحاول منع إيران من الحصول على قدرة نووية عسكرية، وتهددها بجولة عقوبات رابعة إذا رفضت المعروض عليها، في حين أن روسيا والصين غير متحمستين للعقوبات، أو لوقف البرنامج أصلاً، فعلاقاتهما التجارية، خصوصاً النفطية، مع طهران أهم من برنامجها النووي. - إيران تقول إن برنامجها النووي سلمي وتصر على حقها في تخصيب اليورانيوم. وقد أعلن الرئيس محمود أحمدي نجاد مرة بعد مرة أن بلاده لن توقف التخصيب. وردد الكلام نفسه وزير الخارجية منوشهر متقي والناطق باسم وكالة الطاقة النووية الإيرانية علي شيرزاديان. - الموقفان الغربي والإيراني واضحان كشمس الظهيرة في جنوبإيران، ولكن الاجتماعات تتوالى، ولا أفهم ماذا لا يفهم الغربيون في الموقف الإيراني، وماذا لا تفهم إيران في الموقف الغربي. قبل أن نسمع باجتماع جديد في جنيف أو فيينا أو المريخ أريد أن أسجل حقائق يدور المفاوضون حولها وكأنهم لا يرونها: - إيران تحاول كسب الوقت، وهي إذا كانت لا تنوي إنتاج قنبلة نووية، فإنها تريد أن تملك المعرفة والقدرة لإنتاجها وقت الحاجة. - الموقف الإسرائيلي هو الفجور بعينه، فإسرائيل تملك أسلحة نووية وصواريخ لحملها، ثم تريد منع إيران من امتلاك سلاح مماثل، بل تهدد بضرب إيران على نياتها لا على ما عندها فعلاً. - أوافق الدكتور محمد البرادعي، رئيس وكالة الطاقة الذرية الدولية، قوله إن قدرة إيران النووية مبالغ فيها، وأن ضربة عسكرية إسرائيلية ستحول الشرق الأوسط الى كرة نار. - تخصيب اليورانيوم في إيران من مستوى منخفض، ولا يصلح لبرنامج عسكري، والخوف من إيران، أو التخويف من برنامجها لا يعكسان أبداً حقيقة الوضع. - الوضع المثالي الوحيد في الشرق الأوسط هو تجريده من أسلحة الدمار الشامل، ولكن طالما أن إسرائيل تملك هذه الأسلحة، فإن واجب كل دول المنطقة أن تسعى الى امتلاك سلاح مماثل، كلها من دون استثناء مع تركيزي على مصر بعد أن هدد الفاشست الإسرائيليون باستهداف السد العالي، والمملكة العربية السعودية لحماية منابع النفط التي لها من الأهمية العالمية ما يحتاج الى حماية نووية. أتوقف هنا لأقول إنه لا يمكن أن أعرف شيئاً لا تعرفه الدول المفاوضة، ومع ذلك فنحن أمام جولة ثانية من حوار الطرشان في شهر واحد. وكنا سمعنا بعد اجتماع جنيف أن إيران قبلت تخصيب اليورانيوم في روسيا وفرنسا، وجاء اجتماع فيينا وقررت إيران أنها لا تثق بفرنسا ولا تريد التعامل معها، وهي في الاجتماع المقبل قد تعود عن قبولها إرسال ثلاثة أرباع ما تملك من يورانيوم للتخصيب في الخارج، أو تطلع بشرط جديد. وربما استبقت ذلك بشروط جديدة لتسمح لوكالة الطاقة الذرية الدولية بتفتيش مفاعلها قرب قم الذي أعلنت عن وجوده عشية اجتماع جنيف، وتقرر تفتيشه في 25 من هذا الشهر. وفي حين أن الولاياتالمتحدة أعطت نفسها حتى نهاية السنة للتفاوض مع إيران، ثم تذهب الى مجلس الأمن في حال الفشل لتشديد العقوبات عليها، فإن السنة قد لا تنقضي حتى تطلع إيران بعرض جديد يحتاج الى وقت إضافي لدرسه. في هذا الوضع ثقتي بإيران قليلة، خصوصاً مع أطماعها في الخليج، وثقتي بالدول الغربية أقل مع نفوذ إسرائيل وتأثيرها في صانع القرار الأميركي. والمرجع الثقة الوحيد هو الدكتور البرادعي ووكالته، الفائزان بجائزة نوبل للسلام رغم أميركا جورج بوش، إلا أنه سيترك العمل بعد نهاية ولايته الثانية في آخر الشهر المقبل، ولا ضمانة البتة أن يخلفه مدير عام صادق جريء ومجرد عن الهوى مثله، فتضيع الحقيقة ضياع العرب هذه الأيام.