وقعت أرمينيا وتركيا ليل امس بروتوكولين لتطبيع العلاقات بينهما، ما يطوي صفحة ماضٍ دام بينهما ارتبط بالإبادة الأرمنية التي ارتكبت في عهد الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، وذهب ضحيتها 1.5 مليون أرمني، والتي ترفض تركيا الاعتراف بحقائقها التاريخية. وتأخر توقيع الاتفاق عن موعده المحدد، بسبب «اشكال في اللحظات الاخيرة» يتعلق بخطب ستلقى خلال حفلة التوقيع التي حضرها، الى وزيري الخارجية الأرميني إدوارد نالبنديان والتركي أحمد داود أوغلو، وزراء خارجية الولاياتالمتحدة وروسيا وفرنسا وسويسرا وسلوفينيا، إضافة الى منسق العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا. وكادت خلافات حصلت في اللحظة الأخيرة ان تنسف الاتفاق، بعد اكتشاف الجانب التركي وجود عبارات «قوية» عن الإبادة الأرمنية في نص كلمة نالبنديان، ما حتم مطالبته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بالتراجع عنها أو تخفيفها التزاماً ببروتوكول الاتفاق الذي يحيل موضوع الإبادة على لجنة تاريخية. ورغب نالبدنديان عبر هذه الفقرة تهدئة غضب جاليات الأرمن في الشتات الذين يتمتعون بنفوذ كبير. وتظاهر أمس نحو عشرات آلاف من الأرمن أمام مقري السفارة التركية والبطريركية الأرمنية شمال العاصمة اللبنانية بيروت. وهتف بعضهم أمام السفارة التركية رافعين أعلاماً أرمينية «تركيا أخرجي» و «لا بالأرمنية»، قبل أن تستخدم قوات الأمن الغاز المسيل للدموع لتفريقهم. واستغرقت الجهود التي بذلها وفد الخارجية الأميركي لإقناع وزير الخارجية الأرميني بحذف العبارات أكثر من ساعتين، قبل انجاز مراسم التوقيع. وفي خطاب وجهه الى أبناء بلاده قبل ساعات على توقيع الاتفاق، أكد الرئيس الأرميني سيرج سركيسيان أن «لا بديل لنا عن إقامة علاقات مع تركيا من دون شروط، على رغم عداوة استمرت عقوداً». وشدد على أن أرمينيا لن تتخلى عن نضالها من أجل الاعتراف بالإبادة خلال عهد الدولة العثمانية مطلع القرن الماضي، في وقت ترفض أنقرة تأويل الوقائع بهذه الطريقة. وقال: «انه واقع معروف، ويجب الاعتراف به». وأعلن سركيسيان أيضاً أن الاتفاق مع تركيا ليست له انعكاسات على النزاع مع أذربيجان، حليفة أنقرة في القوقاز، حول منطقة ناغورني قره باخ، معتبراً أن حلّ نزاع قره باخ «يسلك طريقاً مختلفاً». وأسفرت الحرب حول ناغورني قره باخ الأذربيجانية التي تسكنها غالبية من الأرمن عن سقوط 30 ألف قتيل بين 1988 و1994، ونزوح مئات الآلاف من اللاجئين. وأبرم اتفاق لوقف النار العام 1994, لكن باكو ويريفان لم تتفقا حول وضع المنطقة. وأغلقت تركيا حدودها مع أرمينيا دعماً لأذربيجان. وسيُخرج الاتفاق أرمينيا التي تقع في بقعة مغلقة وتفتقد موارد النفط من عزلتها، فيما ستخطو تركيا خطوة الى الأمام في المفاوضات التي تجريها منذ العام 2005 لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي. ولن يسري مفعول الاتفاق الا بعد مصادقة برلمان البلدين عليه، ما يعني أن العملية ستتطلب بعض الوقت، على رغم أن الحكومتين تحظيان بالأكثرية البرلمانية الكافية لتمريره.