كشفت أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية ان حق التعطيل بات مكرساً في المعادلة الداخلية، عندما يكون ميزان القوى البرلماني يميل الى الأكثرية الحالية، وذلك بغض النظر عن المطالب والتفاصيل المرتبطة بالتشكيل. ويُقصد، عندما تُثار مسألة أزمة النظام السياسي في لبنان، ان الأكثرية الحالية لا يمكنها ان تحكم، ويندفع البلد الى أزمة مفتوحة... لا تُحل إلا بتخلي هذه الاكثرية عن حقها في الحكم للأقلية. ويمكن القول من دون مخاطرة ان هذه الازمة لن تكون مطروحة في حال ان الاقلية الحالية فازت في الانتخابات الاخيرة. للأزمة وجهان: سياسي وميثاقي. في الشق السياسي أعلن رئيس الحكومة المكلف للمرة الثانية والذي ما زال يصارع مع الكتل، الخصمة والحليفة على السواء، انه يسعى الى تشكيلة تعكس الوحدة الوطنية، أي التزام ما يسمى الثوابت في قضايا المقاومة والتوطين والعلاقات العربية. لكن كل ذلك لم يكف لمنحه الثقة الحكومية. اذ لا يزال المضمر في كل ذلك في خلفية التعارضات والتعقيدات، أي المحكمة الدولية المتعلقة بمحاكمة المتهمين باغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، ووالد الرئيس المكلف، والاغتيالات الاخرى المرتبطة به. اذ لا يمكن لسعد الحريري ان يوافق على التحفظات التي وضعت على المحكمة، وكيفية التعاطي مع سيرها، علماً ان هذه المسألة كانت وراء الازمة السابقة ومقاطعة الاقلية الحالية حكومة فؤاد السنيورة. في الشق الميثاقي، يعجز رئيس الحكومة المكلف، بغض النظر عن اسمه، ان يشكل حكومة ميثاقية من دون تمثيل شيعي وازن، يحتكره حاليا «حزب الله» وحركة «امل»، ليكون حق التعطيل واقعاً لا يستطيع أحد القفز فوقه، وليضع الجميع أمام معضلة الميثاقية والتمثيل الشيعي. وبالتأكيد يزداد المأزق عمقا، وربما ينزلق البلد الى مواجهات امنية، اذا شُكلت حكومة من الاكثرية وحدها. فرئيس الجمهورية لن يوقع مراسيمها، علماً انه لم يوقع مراسيم تشكيلة سابقة قدمها الحريري، قبل اعتذاره، رغم ميثاقيتها. وذلك لمجرد ان رفضت الاقلية توزيع الحقائب فيها، وتداركا لانفجار ازمة حكم مفتوحة. الرهان على تشكيل حكومة برئاسة الحريري مرتبط بقدرة مستبعدة على ايجاد مخرج لهذا المأزق المزدوج. ولم تنفع صيغة 15+10+5 التي وضعت لتغطية الثلث المعطل في انقاذ التكليف الاول. ولا يبقى الا توليفة لانقاذ المظاهر، تعتقد الطبقة السياسية اللبنانية، او تأمل بامكان حصولها نتيجة المستجد الاقليمي والتطور الحاصل في العلاقات السعودية - السورية. وحتى لو تجاوزنا سذاجة الاعتقاد بانعكاس آلي للحوار السعودي - السوري على تشكيلة حكومية لبنانية، فان أي توليفة جديدة لن تكون الا لتمرير الوقت الضائع، قبل اتضاح نتائج الحوار السوري - الاميركي والحوار الايراني - الغربي والرعاية المصرية للمصالحة الفلسطينية والمساعي الاميركية لاطلاق عملية السلام. هكذا تتأرجح حلول الازمة في لبنان بين توليفة موقتة لتمرير الوقت الضائع وبين توتر وانفجارات. اذ ان كل طرف داخلي يعتبر ان ضرورة تحصين الوضع الداخلي تقتضي تخلي آخرين عن سياستهم والانضمام اليه ودعم مواقفه، أي الغاء انفسهم، ومعها التعددية السياسية. وفي ظل استحالة حالية لمثل هذا الوضع يصعب تحصين الوضع الداخلي بتفاهم بين الاطراف المحليين، ويظل أمل هؤلاء معقوداً على التدخل الخارجي لتليين مواقف خصومهم. انها دوامة تطيل أمد المأزق، ما دامت مستبعدة الصفقة الشاملة التي تطاول كل قضايا المنطقة المعقدة، وما دام لبنان الساحة القابلة لتبادل الرسائل بين المفاوضين الاقليميين.