«اليوم للنساء، عذراً للرجال»... عبارة معلقة عند الباب الخارجي ل «حمام الشفاء» (الحمام التركي العتيق) في مدينة نابلس الذي يعود تأسيسه إلى قرابة 800 عام، وعادة ما تعلق كل أحد وثلثاء من الثامنة صباحاً حتى الخامسة عصراً. تعج قاعة الحمام التي تُعرف باسم الاستراحة أو القاعة الصيفية المخصصة لتناول الطعام والشراب والنرجيلة، بأحاديث النساء المُقبْلات من كل المدن الفلسطينية التاريخية (الضفة الغربية والقدس والمناطق المحتلة عام 1948)، فالحمام التركي هو ملتقى عفوي يتجاوز كل الحواجز العسكرية والجدران. في إحدى زوايا القاعة كانت المختصة في تنظيف البشرة أسماء أبو ليل منهمكة في عملها وقالت ل «الحياة»: «أقوم بعملي في شكل يدوي لأنه لا آلات حديثة ولا أجهزة، وهذا ما يميّزني والعاملات هنا». في الحمام الذي بناه العثمانيون، تفوح روائح مختلطة يصعب على الأنف أن يميّز ما إذا كانت بخوراً أو زيوتاً تستخدم للتدليك، أو نراجيل مشتعلة، أو كريمات تجميل، أو مواد تعقيم. لكن الرائحة التي تعلق في مسامات الزائرات هي رائحة عبق التاريخ الذي حاولت بعض المسلسلات التركية والسورية تسليط الضوء عليه. ويعتبر هذا الحمام من الحمامات التركية المشهورة في البلدة القديمة لمدينة نابلس خصوصاً وفلسطين عموماً، وهو ملك لعائلة طوقان، إحدى العائلات العريقة في المدينة، وهو مغلق تماماً من الداخل فلا نوافذ فيه، وجدرانه مبنية من «الحجر المملوكي» الذي يتميز بما يحويه من مسامات تمتص أول أكسيد الكربون وثانيه، وكأن الحمام يتنفس من حجارة جدرانه، واللافت أن لا أثر للرطوبة في داخله. أما سقفه فيحتوي على أكثر من 700 فتحة زجاجية تدخل عبرها أشعة الشمس، لتمنح المكان دفئاً ونوراً. أما الأرضية فمرصوفة بحجر كثيف وصلب يعرف ب «الحجر السلطاني». وقالت أبو ليل: «في الحمام نقوم بكل أنواع التجميل، كما نستقبل الأفواج السياحية الخارجية والداخلية، وحفلات الأعراس، بمعنى أننا نستقبل العروس ومرافقاتها وبنات عائلتها للاهتمام بهن جميعاً استعداداً ليوم الزفاف». ويحتوي الحمام على كثير من المرافق تبدأ بالقاعة الصيفية عند المدخل، فالأبواب السميكة التي لا تزال تحتفظ بحكايات فلسطين وأهلها، والتي تنقل زائرها إلى القاعة الشتوية (المشلح)، وهو مكان مخصص لتبديل الملابس استعداداً لرحلة منعشة ومختلفة في الحمام، تليها القاعة الحارة، وفيها غرف خاصة للاستحمام، و «بلاط النار»، و «السونا»، والبخار، لتأتي بعدها مرحلة «التكييس»، وهي عملية فرك الجسم بليفة خاصة وصابون تركي ثم صابون نابلسي يخلصان الجسم من خلايا الجلد الميتة والبثور السود وينظفان مسامات الجسم. هي رحلة في التاريخ إلى مكان تختلط فيه الحكايات برائحة خشب الصندل الذي يفوح من بخور هنا أو هناك في حمام نابلس العتيق الذي يصعب على زائره في المرة الأولى حفظ خريطته بسهولة.