أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) المنصرم، أقدمت قوات الأمن الكردية المعروفة ب «الأساييش» على إلقاء القبض على عايد الحمادة معاون مدير حقول رميلان النفطية في محافظة الحسكة، بتهمة «التعاون والتخابر مع قوات المعارضة الراديكالية المسلحة وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش». قضى الحمادة ما يقارب الشهر في سجون هذه القوات، من دون أن تنبس أي جهة، وعلى رأسها الحكومة السورية، ببنت شفة، ما أعطى الإشارة الصارمة عن السيطرة «شبه المطلقة» التي باتت تتمتع بها هذه القوات على المنطقة في شكل عام، والحقول والإدارات النفطية في شكل خاص. بل أكثر من ذلك، أصدرت الجهات الأمنية «الرسمية» في محافظة الحسكة، والتي تتبعها حقول رميلان النفطية، قراراً بصرف الحمادة من الخدمة فور خروجه من السجن. ما أكّد قدرة حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) على إدارة ملف البترول في المناطق الخاضعة لسيطرته شمال شرقي سورية، والتي اصطُلِح على تسميتها ب «روج آفا - Roj Ava» وفق أدبيات الحزب الذي أعلن فيها عن مشروع «الإدارة الذاتية الديموقراطية» في وقت سابق من الشهر الأول بداية العام، بالتشارك مع أحزاب كردية وقوًى عربية، في ظلِّ غياب التمثيل الرسمي للمجلس الوطني الكردي في سورية. رميلان النفطية بدأت شركة «شل» البريطانية - الهولندية باستخراج النفط من منطقة رميلان في عام 1960، ليبلغ الإنتاج في عام 2010 وقبل بدء الأحداث في سورية 90 ألف برميل يومياً، حيث كانت القدرة الإنتاجية وفق تقديرات القائمين عليه تصل إلى 167 ألف برميل يومياً، وفق خطط الإنتاج التي اطّلعنا عليها.إلا أن السوريين يتداولون حديثاً جرى بين أحد أعضاء مجلس الشعب السوري ورئيس المجلس في تسعينات القرن الفائت عن جهة صرف واردات البترول السوري، على اعتبار أنه كان من المعروف أن الناتج لم يكن يدخل الموازنة الرسمية للبلاد، فأجاب الأخير: لا تقلقوا، فالنفط في أيدٍ أمينة! يبلغ عدد الآبار النفطية التابعة لمديرية حقول رميلان (1322 بئراً)، إضافة إلى (25 بئراً) من الغاز، تخضع جميعها في الوقت الحالي، لسيطرة القوات العسكرية الكردية المعروفة بوحدات حماية الشعب (YPG) وذلك بعد تسويات ومفاوضات بينها وبين فصائل من المعارضة الإسلامية المسلحة كانت على رأسها «جبهة النصرة»، قبل أن تنشب معارك طاحنة بين الطرفين وبعد أن انضمَّ تنظيم «داعش» إلى هذه المعارك. انتهت بسيطرة الأكراد على المنطقة بما فيها الآبار النفطية. في الحديث عن ماهية هذه الاتفاقيات يقول آلدار خليل: «إنها كانت تكتيكية عسكرية تهدف إلى تحييد (غرب كردستان - شمال شرقي سورية) عن نيران المعارك». ويضيف آلدار وهو القيادي البارز في «حركة المجتمع الديموقراطي TEV-DEM»، والتي تضمُّ في إطارها مجموعة من التنظيمات المدنية والأحزاب السياسية منها حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) والذي تنسب إليه، السيطرة العسكرية والهيمنة السياسية على القرار الكردي في سورية، يضيف: «بدأت هذه الاتفاقيات مع اجتياح قوات المعارضة المسلحة مدينة رأس العين/ سري كانيه الكردية في 2012 فارتأينا عقد اتفاقيات سلامٍ تكتيكية مع هذه الفصائل غير المنضبطة لتحييد مناطقنا عن الأهوال والأخطار. إلا أن هذه الفصائل، وبعد تغاضينا عن سيطرتها على بعض الآبار في مناطقنا واستخراج النفط منها بطريقة أقرب إلى النهب وبيعها، تمادت في خططها وبدأت باستهدافنا داخل مناطقنا، ما اضطرنا إلى ممارسة حقنا في الدفاع المشروع عن أهلنا ومدننا». وتمكَّنت القوات الكردية المعروفة ب «YPG»، والتي يعتبرها ريدور خليل الناطق الرسمي باسمها «بذرة الجيش السوري الوطني»، تمكَّنت أخيراً من طرد تلك الفصائل المسلحة وبسط سيطرتها الكاملة على المنطقة. حيث تعزَّزت هذه السيطرة ب «تحريرها» معبرَ تل كوجر/ اليعربية مع الجانب العراقي، في تشرين الأول العام الماضي. حيث يؤكد ريدور أن قواته «تمثِّل روح الثورة السورية الحقيقية». شركة بترول كردية منذ ما يقارب الثمانية أشهر، أسَّست منظومة «TEV-DEM» شركة «توزيع محروقات الجزيرة» المعروفة اختصاراً ب «KSC»، لتمارس الاختصاصات ذاتها التي كانت تقوم بها سابقاً شركة «سادكوب» الحكومية بعد أن توقفت الأخيرة عن العمل بالتزامن مع توقف الآبار النفطية نهائياً عن الإنتاج في الثامن من آذار (مارس) من العام الماضي. ويؤكِّد الإداري في «KSC» علوان مصطفى أن «هناك مجموعة من الآبار ذاتية الدفع نقوم باستخراج البترول الخام منها وتكريرها في مصافٍ كهربائية عدة قمنا بشرائها على نفقتنا الخاصة وبيع المشتقات النفطية بأسعار رمزية لمحطات البيع والمواطن». وتمكَّنت الشركة أخيراً من جَلبِ مصافٍ عدَّة إلى منطقة «كَر زيرو/ تل عدس» التابعة للمالكية أقصى شمال شرقي البلاد، وهي تعمل حالياً، وفق علوان، على إدخال مصافٍ كهربائية أكثر تطوراً لتعمل على تطوير الإنتاج ومضاعفته. ويرى «أن هذه المصافي قضت على ظاهرة الحراقات الأهلية البدائية». وكانت الفترة الماضية قد شهدت ازدياد عدد هذه الحراقات التي تعتمد على أساليب بدائية - حرق البترول الخام في مراجل ضخمة واستخراج المشتقات - بعد غياب الرقابة الأمنية، وانشغال المتقاتلين بالمعارك. الأمر الذي يصفه خبراء وأطباء من أبناء المنطقة «بالخطير» لما له من آثار سلبية ضارة على البيئة والصحة، حيث سُجِّلتْ حالات وفاة نتيجة التعرض المباشر للغازات السامة المنبعثة منها أثناء الاحتراق. ناهيك عن استنزاف الثروة الباطنية بطرق غير علمية. يبلغ إنتاج هذه الآبار - الذاتية الدفع - ما يقارب 400 ألف ليتر من مادة المازوت يومياً (سعر الليتر 30 ليرة سورية) إضافة إلى 150 ألف ليتر من مادة البنزين التي يصف علوان جودتها بالSuper. مقابل (150 ليرة سورية لليتر الواحد). وهو سعر يراه علوان «رمزياً، لمواجهة الحصار الذي تفرضه قوات المعارضة المسلحة على المناطق الكردية». وكانت فصائل إسلامية مسلحة منها الدولة الإسلامية المعروفة اختصاراً ب «داعش»، وجبهة النصرة، قد أصدرت قبل أيام بياناً تعلن فيه فرض حصار على منطقتي عفرين وعين العرب/ كوباني الكرديتين الواقعتين تحت سيطرة «PYD» في ريف حلب، آواخر العام الماضي، بتهمة أن هذه المناطق «ترفد القوات الكردية بالمال والسلاح لمواجهتها». وعن جهة صرف المبالغ التي يتم الحصول عليها من بيع البترول، يتحدث آلدار خليل: «نحن نقوم فعلياً بإدارة منطقة تمتد مئات الكيلومترات خدمياً وأمنياً وعسكرياً، وهذه الإدارة تحتاج إلى تمويل هائل». وأضاف: «سعينا إلى ضخ النفط عبر الأنابيب المخصصة لها إلى المصافي الحكومية مقابل الحصول على مادة الغاز وموارد أخرى تفيد أبناء المنطقة، إلا أن المجموعات المسلحة لجأت إلى تفجير هذه الخطوط إمعاناً في سياستها الساعية إلى خنق المنطقة». إلا أن الخبير النفطي الكردي (ه.أ) يفضِّل سيطرة الحكومة على الآبار النفطية على سيطرة القوات الكردية التي يرى فيها أنها تعمل على «استنزاف موارد المنطقة في شكل مخيف». مصير النفط الغامض يبدي خبراء نفط من الجزيرة السورية تخوّفهم من المصير الغامض الذي ينتظر هذه الثروة المهمة. حيث تؤكد تقارير رسمية نضوب الاحتياطي النفطي في الجزيرة في عام 2025، وفق خطط الإنتاج الموضوعة لها قبل بدء الأحداث في البلاد. والتي اطَّلعنا عليها بالتعاون مع مصادر من داخل الحقول، طلبت عدم كشف هويّتها. وكانت سورية تصدّر ما يقارب 100 ألف برميل يومياً إلى الأسواق العالمية بعد تكريرها في مصفاتي بانياس وحمص اللتين توقفتا عن العمل أيضاً. «لا نعلم تماماً كيف سيكون مصير النفط في هذه المناطق في المستقبل». بهذه الكلمات اختصر آلدار خليل حيرته حيال مصير النفط في المنطقة، ثم أردف: «لكن الأكيد، أننا لن نعود إلى الوراء ولن نسمح لجهة أن تتصرف وتنفرد بأموال الناس وثروات الوطن بعد اليوم». إلى أي مدًى سيستطيع آلدار خليل ومن خلفه القوى السياسية والعسكرية الكردية، التي يمثلها، الالتزام بتحقيق ما وعَد به «لن نسمح لجهة التصرف والانفراد بثروات الوطن...»، في ظلِّ الحديث عن احتكار «PYD» أصلاً هذه الثروات ناهيكَ عن الهيمنة العسكرية والسياسية؟ قرب الآبار النفطية شمال شرقي سورية، وقبل أن تعلن «السماء» نضوب خيراتها، يتقاتل الفقراء وتسيل دماؤهم هناك في سعيٍ حثيثٍ من الطرفين المتقاتلين لإثبات أحقيَّته فيه وبالتالي تثبيت أقدامه في المنطقة في ظل تراخي قبضة النظام السوري. فمما لا شكَّ فيه أن الورقة النفطية، تحوز من الأهمية ما يُخرج الحائز عليها من طور «الميليشيا الحزبية»، أو «الكتيبة المسلحة» أو حتى «اللجان الشعبية»، إلى أفقٍ سياسي عسكري يستوعب الأحلام في شكلٍ أرحب.