تنهض آلية عمل الفضائيات على الحوار، أساساً، ولئن اختلفت الأشكال من الاتصال الهاتفي إلى النقل عبر الأقمار الاصطناعية أو الاستضافة في الاستوديو، فإن ذلك لا يقلل من حقيقة أهمية الحوار الذي يتجلى عبر نشرات الأخبار أو خلال البرامج الدورية. والملاحظ أن كل ضيف تلفزيوني «يغني على ليلاه»، فيروج، وفقاً لطبيعة عمله، لحزبه أو حكومته أو شركته من دون أي مراعاة لضوابط العمل التلفزيوني المتمثلة في الزمن، بصورة رئيسة، ما يجبر مقدمي برامج الحوارات على إطلاق تلك العبارة التحذيرية الشهيرة «الوقت يدهمنا». ثمة فقرات وبرامج محددة يطرح خلالها الضيف وجهات نظره في وقت قصير من دون أن يداهمه الوقت، وهو ما لاحظناه، مثلاً، في برنامج «سيدتي» على الفضائية المصرية لدى استضافة المذيعة رانيا رياض للإعلامي الأردني تاج الدين عبد الحق، رئيس تحرير موقع «إرم» الإلكتروني. ففي أقل من عشرين دقيقة أوجز عبد الحق ما يريد قوله، وهو بدا مدركاً أن الاستوديو التلفزيوني ليس مقهى يستوعب الاسترسال والثرثرة المجانية، كما يتصور بعض الضيوف. تحدث عبد الحق، بتكثيف، عن الحظوظ الكبيرة التي تملكها المواقع الإلكترونية، قياساً بالصحافة المكتوبة التي قال إنها تتراجع في العالم، ثم أقرّ بوجود فوضى في هذا الحقل الإعلامي الجديد، مطالباً بتشريعات وقوانين تضبطه وتحمي حقوق الملكية الفكرية و»تفرز الغث من السمين». وركز على ضرورة توفير محتوى خاص لكل موقع إلكتروني عبر كوادر مؤهلة لا تتقن الضغط على أزرار الكيبورد فحسب، بل عليها أن تتمتع بالحس والموهبة الصحافية، مطالباً بضرورة فضح السرقات المكشوفة في هذا المجال. ملفات جادة عرضها الرجل بلسان من يقدر فضاء الاستوديو، بلا ادّعاء، فعندما سئل عن مدى الحرية التي يتمتع بها موقعه، لم يشأ أن يحول السؤال إلى فرصة للتغني ب «ليبرالية» موقعه، بل تمهل قليلاً واكتفى بالقول: «ثمة هامش واسع من الحرية»، ما يشير إلى أن تلك الحرية ليست مطلقة، مثلما يقول آخرون عن منابرهم الإعلامية. هذا الاستثمار المضبوط للزمن التلفزيوني، يتكرر في برامج قليلة، ولعل برنامج «نقطة نظام» على «العربية» هو مثال آخر ناجح على مهارة مقدمه حسن معوض في توجيه أسئلة متلاحقة للضيف وانتظار الإجابة المختصرة الشافية، من دون أي استرسال. في الواقع، الأمثلة قليلة عن أولئك الضيوف الذين يراعون الإيقاع السريع للتلفزة، فغالبيتهم تبدد الزمن المتاح في الحديث عن النوافل والبديهيات، وحين تشرع في قول «الجوهري» يكون «الوقت قد قطع البرنامج كالسيف»، كما تشدد المرويات العربية التي تفيد كذلك بأن «خير الكلام ما قلَّ ودل». لكنّ ضيوف برامج الحوارات يميلون أكثر إلى طبيعة السرد في «ألف ليلة وليلة»، إذ تواظب شهرزاد على التحدث طوال الليل، ولا تتوقف إلا عندما يدركها الصباح.