مع انتشار البث الفضائي وتوسعه وتعدد البرامج والمواد الإعلامية، كان لا بد من مساحة نقدية تقوّم تلك البرامج، وتضعها أمام مجهر النقد. ووفقاً لذلك، لا تكاد تخلو مطبوعة من صفحة او صفحات مخصصة للحديث عن تلك البرامج، وتسليط الضوء عليها، ومناقشة جوانبها المختلفة، وذلك تبعاً لاجتهاد هذا الصحافي أو ذاك الناقد. والمشكلة ان هذا «النقد التلفزيوني»، اذا جاز القول، لا يستند الى معايير وضوابط معينة، فهذا النقد هو حديث العهد قياساً الى حقول نقدية أخرى كالنقد الأدبي والنقد المسرحي وحتى السينمائي، ناهيك عن عدم وجود أكاديميات تدرّس مثل هذا النقد التلفزيوني الطارئ الذي شاع في العقدين الاخيرين فحسب مع شيوع الفضائيات، ووجد الناقد التلفزيوني نفسه إزاء معضلات كثيرة، إذ لا توجد ضوابط معينة توجّه قلمه... وهو اضطر، والحال هذه، الى ان يستعير مفردات نقدية راجت في سياق نظريات نقدية لا تعود الى التلفزيون في شكل خاص، وإنما تتعلق بالأدب والمسرح والسينما. الملاحظة الرئيسة التي يمكن استخلاصها من كمّ المقالات الهائل الذي يتناول برامج التلفزة، هي ان هذا النقد يتركز حول المضمون ويتجاهل الجانب البصري على رغم ان التلفزيون هو وسيلة بصرية بالدرجة الاولى. وبهذا المعنى، ستجد مئات المقالات النقدية التي تتوقف عند مضمون كلام هذا المذيع أو ذاك الضيف، خصوصاً اذا كانت تصريحاته تلامس حساسيات محددة، عموماً، بالثالوث المعروف: الجنس والدين والسياسة. وسرعان ما يجد الناقد نفسه، وهو يخوض فخاخ هذا الثالوث المقدس، وقد اتجه صوب ألغام السياسة وألاعيبها، فتأتي مادته مفعمة بالموقف السياسي بدلاً من تقويم المادة التلفزيونية في معزل عن أي شيء آخر. لا شك في أن عالم الصورة رحب وشائك. وفي حال التلفزة، ثمة جوانب كثيرة تمكن مناقشتها، تبدأ من الاضاءة والديكور والموسيقى التصويرية وفضاء الاستوديو ولا تنتهي عند شخصية المذيع وكيفية تعامله مع الكاميرا... كل هذه الجوانب البصرية تكاد تكون مهملة في المقالات النقدية التي تتناول التلفزة. ولعل للنقاد بعض العذر في التركيز على المضمون دون القالب البصري، ذلك ان القائمين على التلفزيون، بدورهم، لم يدركوا بعد ان هذا الجهاز وسيط بصري، ومثل هذه الحقيقة تستلزم الاعتناء بالصورة لا بالكلمة فقط. على رغم كل ما سبق، يبدو ان الذائقة العربية هي ذاكرة تبجل المنطوق والمسموع، ولا تولي اهتماماً مماثلاً للصورة، ولعل هذا ما يفسر ان الإرث السردي الأكبر الذي لا يزال يتمتع بالكثير من السطوة والحضور ضمن المشهد الثقافي العربي هو «ألف ليلة وليلة»، وهو قائم على القص والثرثرة التي تتوالد على نحو متواصل، وإذا ما لاحت تباشير الصباح للقاصة شهرزاد صمتت واستعدت لليلة مقبلة، وهذا هو حال التلفزة العربية التي تثرثر كثيراً، وتطوّع الكاميرا لنقل الكلام لا الصورة.