لعل لسان حال جميع الذين يشاركون في برنامج «ألف، لام، ميم» الذي يقدم على فضائية «الميادين»، يقول، وبشيء من التأفف: «دعني أكمل...». وإذا كانت هذه العبارة، معلنة أو مضمرة، أصبحت لازمة لكثير من برامج الحوارات العربية، نظراً لاستحواذ غالبية مقدمي البرامج على الوقت الأكبر من زمن بثها، فإن حاجة الضيوف الى التفوه بها تتضاعف لدى مشاركتهم في برنامج «ألف، لام، ميم» الذي يقدمه الباحث والإعلامي الجزائري يحيى ابو زكريا. يقول تعريف للبرنامج على موقع القناة ان «من شأنه تفعيل النقاش الفكري حول القضايا الإسلامية المعاصرة من موقع إسلامي معتدل كبديل عن الفهم المتطرف للإسلام، ويناقش البرنامج قضايا سياسية ساخنة متصلة بالشأن الإسلامي ويقدم نظرة الدين إليها». بيد ان هذا التعريف لا يتجسد، كفاية، على شاشة القناة، فما نراه هو أشبه بخطاب ذي نبرة صاخبة؛ عالية، آت من عصور غابرة، يستخدم مفردات وتعابير عفا عليها الزمن. والنتيجة الجاهزة، دائماً، لدى مقدم البرنامج، هي ان الغرب لا يفكر في شيء سوى في السيطرة على العالم العربي والإسلامي، والسعي لإبقائه متخلفاً، يعيش في سجن الماضي، أما الحجة الدامغة على صحة «نظرية المؤامرة» هذه، فهي مقولة لمستشرق او فيلسوف ينتمي الى ثقافة الغرب «الكافرة»! تلك إشكالية معقدة لا يمكن الاسترسال فيها. لكن اللافت، هو ان مقدم البرنامج بارع في احتكار الكاميرا، فلا يكاد الضيف ينطق بجملة واحدة مفيدة، حتى يتدخل ابو زكريا ممارساً سلطته الخفية في مساحة الاستوديو الضيقة، فهو مقدم البرنامج ويستطيع، مثلاً، ان يتدخل عندما يتحدث الباحث العراقي عبد الحسين شعبان. لكن الأخير، الذي كان ضيفاً في الحلقة الأخيرة، لا يملك تلك السلطة، فهو ضيف، والضيف خجول في العادة، وهذه الحال تنطبق على معظم الضيوف الذين لا يستطيعون توضيح فكرة حتى يكون ابو زكريا لهم بالمرصاد. علاوة على ذلك، فإن البرنامج لا يطرح مواضيع سياسية آنية، بل قضايا إشكالية تستلزم شرحاً وإسهاباً، وهو ما يتطلب صبراً من المقدم على ضيوفه كي يوصلوا أفكارهم عبر اتاحة أكبر مقدار من الوقت لهم. لكن إلحاح المقدم على التدخل يجعل وجهات نظرهم مبتورة، وفق قاعدة «لا تقربوا الصلاة...». وعلينا ان نشير الى ان المهارة الإعلامية لا تكمن، في الاعداد الجيد للبرنامج، وصوغ الاسئلة الوجيهة فحسب، بل تتطلب، أكثر من ذلك، فضيلة الاصغاء الى الآخر، خصوصاً ان المقدم هو في موقع السائل، ولا يحق له أن يتشبث بالميكروفون، طوال الوقت، بينما الضيوف يرددون أثناء ظهورهم القصير: «دعني أكمل...»!