العربية تبدو، على كثرتها، تائهة بلا خطط حقيقية، أو أنها وجدت أصلاً وكما يقال بلا دراسة جدوى كتلك التي تتأسس عليها عادة المصانع والشركات والمشروعات الإنتاجية والتجارية. هذه القنوات تعرف من تسميتها أنها متخصصة في تقديم الدراما سواء أكانت أعمالها جديدة أم إعادات لأعمال سبق عرضها ولأكثر من مرة خلال السنوات الماضية. أما منهاجها في ذلك، فهو غالباً غائب أو شبه غائب وإن حضر فلا نكاد نتبين ملامحه، وهو بالأحرى لا يكفي لتمييز هذه القناة عن زميلاتها. جميل أن تكون للدراما في فضائياتنا قنوات متخصصة، لكن ذلك لا يبدو كافياً إلى حدّ معقول (ولعلّه قليل الفائدة أيضاً)، فإن كنا نتحدث في هذا المجال عن غايات تتعلق بالتسلية ورغبة المشاهدين، فإن هذا لا يلغي بالتأكيد أن تقوم هذه التسلية على مفاهيم واضحة تقدم للمشاهدين ما ينفعهم فعلاً من فن بات اليوم واحداً من أبرز الفنون التي تتناول الحياة بكل موضوعاتها وتفاصيلها وبالطبع بكل مناخاتها الاجتماعية، بل بات حتى بالنسبة الى كثر بديلاً للفن السينمائي الذي كان يخلق طبيعة ثانية لدى المشاهدين طوال القرن العشرين. والسؤال الأساس في هذا السياق اليوم هو: ما الذي يميز قناة الدراما عن أية قناة تلفزيونية أخرى ويجعلها تنتمي الى اسمها حقاً؟ هو سؤال يندرج في أساس الحديث عن هذا النوع من القنوات الفضائية التي تفتقر في غالبية الحالات الى ما يمنحها أحقيّة الانتماء الى الدراما بدءاً من ملاحظة المشاهد للفارق النوعي بينها وبين غيرها، وأيضاً لقدرة القائمين عليها على امتلاك خطة أو حتى برنامج، أو إذا شئنا رؤية تمتلك مفاهيم واضحة لأصحابها كي تكون واضحة للمشاهدين بعد ذلك. من يتابع القنوات الفضائية الدرامية يوماً بعد يوم وقناة الى جوار الأخرى لن يصعب عليه أن يكتشف بسرعة وسهولة أن ما تمتلكه هذه القنوات، من دون أي استثناء، من مفاهيم عن هذا النوع هو أنها متخصصة في تقديم الدراما. أما ما بعد هذا العنوان العريض فليس سوى «كشكول» متنافر بل وحتى متناقض يضرب يميناً وشمالاً. أن نتحدث عن قنوات درامية يعني في تقديري أن نقيم علاقة متوازنة بين ما تقدمه تلك القنوات وبين وعي المشاهد وذائقته واحتياجاته وحتى ذهنيته الثقافية المفتوحة على ما هو جديد، وعلى ما يجعل حياته أجمل وأكثر سهولة. أما ما نشاهده اليوم فلا يشبه هذا إلا في القليل النادر جداً الذي يثبت القاعدة ولا ينفيها، إذ هو استثناء حقاً.