قد لا يحمل المشاهدون رغبة مسبقة في متابعة القنوات الفضائية المختصة بتلبية لرغبات بهذا النوع أو ذاك من العروض التلفزيونية، ومع ذلك يجدون أنفسهم يذهبون إليها بسبب «ازدحام» يعصف بالشاشة الصغيرة إلى الحد الذي يجعل كمَا لعله الغالب منها، يقع في خانة الهابط والرديء. هل بات اختيار قناة تلفزيونية للمشاهدة أمراً شاقاً إلى هذا الحد؟ يصبح الأمر كذلك في سياق الكثرة أولاً، ثم بعد ذلك بسبب التشابه. وهو تشابه يصرّ على تكرار تقديم ما هو قليل الأهمية، ولا يراعي الشروط الفنية ولو بحدودها الدنيا التي يتسبب غيابها في غياب ما يدهش وتتحول معه الشاشة إلى شيء «عادي» لا يستطيع اجتذاب المشاهد وإغراءه بالمتابعة ناهيك باختيار تلك الشاشة للمواظبة عليها. لا عزاء لفضائية بلا جمهور. هكذا تقول وقائع العلاقة بين البث الفضائي التلفزيوني وبين الجمهور العريض، والجمهور بما هو كتلة «هلامية» وغامضة يحتاج من أجل «تظهيره» إلى لعبة أقرب للسحر نسميها عادة الشروط الفنية والقيمة الفكرية ومعها أيضاً أساليب ووسائل التعبير القادرة على التفاعل معها ومنحها الإطار الجذّاب، أي بالضبط ما يجعلها قادرة على المنافسة في «سوق» العرض والصمود هناك. في التجربة التلفزيونية العربية نصف قرن كامل من الخطأ والصواب، وهو زمن نعتقد أنه يحمل ميراثاً غنياً في مجالات لا تحصى من الأخبار والسياسة إلى برامجهما الخاصة، مروراً بالمنوعات والدراما. أي أن أي قناة فضائية جديدة تبدأ علاقتها مع المشاهدين وأمامها هذا الكم الهائل بكل ما فيه من خيبات ومن نجاحات أيضاً. يطرح كثيرون ونحن منهم سؤالاً بسيطاً نعتقد أنه مفتتح العلاقة مع الشاشة الصغيرة أي شاشة: هل وضع القائمون على بثّها ما يسمّيه الصناعيون عادة «دراسة جدوى؟». تبدأ المسألة من هنا، أي من معرفة غاية البث وأهدافه، ومن بعد وسائله ومضامينه وشكل العلاقة مع المشاهد المفترض، أي أن تكون هناك ببساطة فكرة واضحة عن ذلك المشاهد، فلا مكان في فضاء اليوم لمشاهد «غامض» لا ملامح له، على الأقل في أذهان من يقومون على الإعلام التلفزيوني الفضائي. فوضى وازدحام نعم، ولكن فوضى الإعداد لا تبرّرها أية ذرائع، ولا عزاء للفاشلين.