أبرز ملاحظات الموسيقيين الجادين على الغناء هذه الأيام أنه يقع – غالباً – في التشابه. لعلها ملاحظة تختصر بتكثيف بليغ فكرة أساسية في الفن، هي التنوع والاختلاف والمغايرة. إلى ذلك التشابه، وربما انطلاقاً منه نلحظ تشابهاً في البرامج التلفزيونية التي تتناول فنون الغناء والموسيقى. تغرق هذه البرامج في نوع من محاباة النجوم، وتبعد ما أمكن معدّيها ومقدّميها عن النقد، وكأن النقد مساءلة خارج السياق، وليس أداة للتطوير والارتقاء عرفتها الفنون والآداب على مدى تاريخ الحضارات البشرية التي ارتقت وقدمت فعاشت في الحياة والذاكرة. ومع اختلاف القنوات الفضائية، وتعدد اهتمامها تتفق جميعاً أو تكاد، على حشد المغنين بلا سياق إعداد واضح يعكس نفسه في أسئلة عميقة، أو حتى استضافة نقاد متخصصين. ما جدوى محاورة مدير أعمال مغنية ما على مدار ساعتين يغرق خلالهما البرنامج في تفاصيل حروب الإشاعات بين تلك المغنية و «حسادها»، الذين ستكون لهم هم أيضاً مساحتهم ليكيلوا لها الصاع صاعين، وفي الحالتين على حساب البرنامج وهدفه وعنوانه المعلن؟ مع ذلك لا تخلو الساحة الفضائية من استثناءات قليلة بل نادرة نشاهد خلالها بعض أبرز نجوم الموسيقى والغناء العرب ممن نعرف عنهم الرصانة والجدية والفهم العميق لفنهم. هؤلاء لا نرى الفضائيات معنية – غالباً – باستضافتهم، ومحاورتهم في شؤون الموسيقى والغناء. أتذكر إلى اليوم بعض مقابلات تلفزيونية شاهدتها بالأبيض والأسود مع الملحن الاستثنائي والظاهرة، الراحل بليغ حمدي، وفيها كلام صاف عن الموسيقى والألحان، بعيداً من هوس الإشاعات، وتفاصيل علاقته بهذا المغني أو ذاك. سيقول كثر انه من الزمن الجميل، ولكنني لا أميل الى هذا التفسير وحده، فإلى جانبه ومعه، هناك مشكلة البث الفضائي العربي الدائمة، ونعني غياب الرؤية وراء البرامج. هل يمكن تحقيق يرامج تخصصية على مستوى رفيع بالركون الى العشوائية؟ ثمة حاجة باتت ماسة ومنذ زمن طويل لإعادة النظر في برامج الغناء والموسيقى الحوارية، والتي نراها باتت تعيش الأزمة التي عاشتها ولا تزال البرامج الحوارية السياسية والفكرية وكلتا الأزمتين تنبعان من البئر ذاتها، ونعني هاجس البحث عن التسلية من دون التفات حقيقي الى الجدوى والمتعة.