لم تعد أنغام «استكانة الشاي المخدر» (أكواب الشاي الصغيرة) التي تتحرك ملعقة صغيرة في وسطها، تغري الشبان السعوديين، بل لم يعد الصحن الصغير الذي يحملها، ويتحول إلى وعاء لرشف الشاي الأسود من «الإتيكيت» المعتمدة بعدما كانت هذه الطريقة ولزمن بعيد ميزة مرتادي المقاهي الشعبية. فقرقعة أكواب الشاي الصغيرة، استُبدلت اليوم بالأكواب الأوروبية الفخمة الصامتة، وتحولت موسيقاها الممتزجة ب «اليامال البحري» و»النهمة» والطرب الشعبي إلى موسيقى «ياني» و»بيتهوفن»، وأحياناً «راب» أو «جاز» المواكبة للعصر بعدما خلع الشبان عنهم جلباب الآباء وأذواقهم. ويعكس عدد المقاهي التي انتشرت أخيراً في المملكة بشكل لافت الانتقال القوي من المجالس الشعبية والعائلية والمقاهي التقليدية إلى تلك العصرية التي توفر وسائل ترفيه جذابة، مثل خدمة الإنترنت وشاشات ضخمة لنقل النشاطات الرياضية، وهو ما كان له الأثر الأبرز في استقطاب الشبان. ولم تكن المقاهي ذات انتشار واسع في السعودية، وبدأت خجولة في المنطقة الغربية وتحديداً في مكةالمكرمة، حيث أجبر الحجاج والمسافرون من الأقطار المختلفة، التجار على تقديم المشروبات الساخنة، وعلى رأسها الحليب ثم الشاي بالحليب فالزنجبيل، وشيئاً فشيئاً انتقلت حمى المقاهي إلى مناطق مختلفة من المملكة. كما ويعود جزئياً انتشار المقاهي في المنطقة الشرقية إلى اعداد الموظفين الأوروبيين في شركة «أرامكو»، الذين نقلوا هذه الثقافة إلى المنطقة، وأثروا في شكل كبير في الموظفين السعوديين. ويعتبر بعضهم أن مرتادي «الكوفي شوب» هم من النخبة والمثقفين أو من طبقة مخملية في المجتمع، بينما لا تزال المزارع والاستراحات تعج بشبان الدخل المحدود. وتخلو المجالس، أو ما بات يعرف محلياً ب «الديوانيات» من الشبان، وتقتصر على كبار السن. ويبدو أنها سترحل مع رحيل هذا الجيل، لتتحول إلى مجرد «ذكرى» لنشاط اجتماعي قديم. ففي ليالي العطل الأسبوعية، تزدحم محال «الكوفي شوب» بالزبائن حتى أنه يتعذر على بعضها استقبال زبائن لم يحجزوا مسبقاً. ويقول الشاب عبد العزيز عبيد المري: «الأمر لا يتعدى كونه ملاحقة للموضة السائدة، والسير وراء كل ما هو جديد، فالشبان أصبحوا يتفننون في شرب «الكابتشينو» و»موكا لاتيه»، و»الإكسبريسو» وغيرها من أصناف القهوة الغربية، فيما هجروا الشاي والقهوة العربية والزنجبيل وغيرها من المشروبات المحلية». ويضيف: «يندر أن تجد مقاهي شعبية الآن، لأنها لا تتوافق و»الإتيكيت» عند بعض الشبان، خصوصاً بعد منع تقديم الشيشة داخلها، ما دفع كثيرين إلى استئجار استراحات برسوم سنوية». ويشير المري إلى صورة «غريبة جداً»، موضحاً أنه «في المجالس والمقاهي الشعبية لا تجد أحداً منزوياً وحده، أو مشغولاً عن الآخرين، بل كنا نبدأ الحديث مع من يجاورنا في الجلسة حتى وإن كنا لا نعرفه. أما في «الكوفي شوب» فنادراً ما لا تجد شخصاً منشغلاً بالموبايل أو بالتلفاز أو بالصمت». ولا يقف الحال عند «الكوفي شوب» الراقي، بل يتعداه لتمييز بعضها ب «كوفي شوب خمس نجوم» أو أقل أو أكثر، وفق الخدمات التي يقدمها. ويقول فهد النويصر، وهو أحد مرتادي هذه الأماكن: «بعض المحال توفر خدمات تجعل من ارتيادها تجربة خاصة مثل اختيار إضاءة وموسيقى خاصة أيضاً، إلى جانب توفير خدمة تصفح الإنترنت المجانية، ومشاهدة القنوات الرياضية، وهذه نطلق عليها خمس نجوم». ويوضح النويصر أن بعض المقاهي الحديثة «لا تقتصر على النمط الأوروبي في خدماتها وديكوراتها، فهناك مقاهٍ مغربية ومصرية وعراقية يعيش مرتادوها متعة السفر إلى تلك البلدان، وإن كان معظمها يدار بأيدٍ آسيوية، إلا أنها تبقى من الأماكن الجذابة جداً».