إلى ولدي باسل. أربعة آلاف يوم وليلة وقد أمسكك الوقت من سكوتك الذهبي جسداً معلقاً على صليب وجعك تنتقل عيونك بحنينك، تحدثني بابتسامتك كأنك تشكرني على واجب وأنا أسهر قرب روحك حتى أنطفئ كل ليلة، إلى أن انطفأت أنت ولم يبق في مكانك سوى همسة في الصوت أو فراغ في الفراغ أو عينيك اللتين تبحثان عني أو عيني اللتين تبحثان عنك أو تجودا بدمع لا يكفي. هل كأنك لم تكن- إذاً أين مضى الوقت الذي جمعنا معاً يا باسل؟ أين مضت الليالي الطوال وأنا أقرأ في كتاب الله قربك موحداً به ومتوحداً والكتاب معك حتى تصير أنت الكلمات فأهدأ إلى نفسي ولا يأخذني الحزن ولا يغدر بي الدمع حتى لا تظن أني أضيق بك أيها الحبيب، وكيف أفعل وأنت القمح الذي يزدهر في سهل القلب. لم نكن ننتمي لليل ولم يكن الليل الذي يجمعنا إلا أنه كان مساحةً ندفن فيها مرارتنا واستنكارنا لأنك لا تستعد للذهاب في اليوم التالي إلى المدرسة كما الذين في عمرك، ولا تجمع الابتسامات والفرح في حقيبتك المدرسية، ولا تطوي لك أمك خبزاً وملحاً، على ما تيسر من طعام. لم يكن عندك يا حبيبي يوماً تالياً بل وقتاً رتيباً يمضي، والأشياء ساكنة جامدة حولك، وأمك وأنا والطيور الأحبة الأكبر منك والأصغر وهم يكسرون وحدتنا في همس خطواتهم ويدخلون إلى وقتهم. لم ينتبه إلينا أحد يا باسل، ونحن نقاتل العتم ونرده من ليل إلى ليل، ونتركه ينزف حلكته، إلى أن يفتح علينا الله سبحانه وتعالى باب الصبح. كانت لرمشة عينيك يا حبيبي معنى أعرفه ماءً ودواءً وطعاماً، ثم كنا نتوه ونغترب في العمر. وكان لي الله ولم يعد لي سوى الله، وأنا أقرأ سور القرآن الكريم قُرْبةً إليه تعالى كي يسكنك فسيح جنانه، وأنت عشت براءتك في دنياه وملكوته طيفاً، عفيفاً، نظيفاً، ينشق عليك الفجر، وتبزغ عليك الشمس وردة في حديقة حياتي، تتكاثر في وحدتي إلى الآن، فأنتبه إليك وأسهر وأسهر... وتمتد بي السنوات بقربك إلى اليوم.