من أجمل ما يمتع الآذان والوجدان ان تسمع نجاة وهي تشدو بشعر سعاد الصباح: لا تنتقد خجلي الشديد فإنني بسيطة جدا وانت خبير يا سيد الكلمات هب لي فرصةً حتى يذاكر درسه العصفور خذني بكل بساطتي وطفولتي أنا لم أزل اخطو وانت قدير من أين تأتي بالفصاحة كلها وأنا يتوه على فمي التعبير؟ أنا في الهوى لا حول لي أو قوة إن المحب بطبعه مكسور يا هادئ الأعصاب إنك ثابت وأنا على ذاتي أدور.. أدور الأرض تحتي دائماً محروقة والأرض تحتك مخمل وحرير فرق كبير بيننا يا سيدي فأنا محافظة وأنت جسور وأنا مجهولة جداً مجهو لة جداً وأنت شهير» فصوت نجاة خجول رغم أنه يصدح، كأنها بلبل يغرد على غصنه وحيداً.. وشعر سعاد الصباح ذائب بالحياء والحب والاعجاب وكأنه فتافيت امرأة عاشقة. *** والحياء هو سحر الحب وعطر الأنوثة.. وخفرها.. «وتأودت أعطاف بانك في يدي واحمر من خفريهما خداك» كما يقول شوقي ويغني عبدالوهاب وفيروز.. وأجمل فتاة بلا حياء تصبح كريهة.. لا تطاق.. ويندر ان تظهر الفتاة بلا حياء وخجل، ولكن ذلك - كما الشعر نفسه - خداع، والعشق أعمى. فالفتاة الخجول قد تتحول بعد الزواج إلى لبوةٍ شرسة، لسانها أشد افتراساً من مخالب اللبوة.. الشعر لا يعبر إلاّ عما يريد ولو طار في الخيال.. والحب أعمى لا يرى غير محاسن المحبوب.. ولكن الواقع قاسٍ ليس له خيال الشعر ولا رقة الحب.. وكثير ما وجد العاشق امرأةً أخرى بعد ان تزوج من يعشقها.. وكذلك الهائمة حباً برجل كثيراً ما تصطدم بواقعه المرير بعد الزواج بشهور.. الحب حلم.. والشعر حلم.. وخجل المحبوب قبل الزواج يشعل الأحلام، ولكن العشرة مظلة تهبط بالحلم على صخرة.. وقد تهبط به بشدة.. فيذوب كشمع تحت وهج الشمس. لذلك فحين يقول نصيب: «ولو لا ان يقال صبا نصيب لقلت بنفسي النشأ الصغار بنفسي كل مهضومٍ حشاها إذا ظلمت فليس لها انتصار» فإنه قد هام بهن وفدائهن بنفسه في تلك الحالة وهن فتيات خجولات يمنعهن الخجل حتى من رد الظلم، ولكن بعد الزواج والمران يتغيرن كثيراً، إن لم يصبحن هن الظالمات. ومع هذا نعود لعالم الأحلام والأشعار.. قال البهاء زهير: «لو تراني وحبيبي عندما فر مثل الظبي من بين يدي ومضى يعدو وأعدو خلفه وترانا قد طوينا الأرض طي قال: ما ترجع عني؟ قلت: لا..! قال: ما تطلب مني؟.. قلت: شيء! فانثنى يحمر مني خجلاً وثناه التيه عني لا إليّ» * ويرى الشعراء ان الخجل من علامات الحب: «آية من علامة العشاق احمرار الوجوه عند التلاقي وانقطاع يكون من غير وعي ودموع بالصمت والاطراق» * وطالما العشاق في لجة الحب وزورق الشعر فإن صورة الحبيب نقية إطارها الخجل المذهب بالأنوثة مما يلهب الخيال ويسافر بالأشواق ويسهد العيون.. للبحتري: «كم ليلةٍ فيك بت أسهرها ولوعةٍ من هواك أضمرها وحرقةٍ والدموع تطفئها ثم يعود الجوى فيسعرها بيضاء رود الشباب قد غمست في خجلٍ ذائبٍ يعصفرها الله جار لها فما امتلأت عيني إلاّ من حيث أبصرها» ورغم قسوة الواقع يوجد الحياء الجميل المستديم عند كثير من النساء، وهو أجمل مكياج، ويختلف عن خجل الحبيب الذي فتن الشعراء. غير أنه (كلما طال خجل العروس طال شهر العسل)