قررت محكمة جنايات القاهرة أمس إرجاء محاكمة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي ومرشد جماعة «الإخوان المسلمين» محمد بديع وقيادات في الجماعة وأعضاء في حركة «حماس» الفلسطينية و «حزب الله» اللبناني في القضية المعروفة إعلامياً ب «اقتحام السجون» إلى 22 شباط (فبراير) المقبل. ومثل 22 متهماً أمام المحكمة أمس، فيما يبقى 109 في حال فرار. وتراوحت الاتهامات ما بين القتل والتحريض على القتل واقتحام السجون عقب اندلاع التظاهرات العارمة التي شهدتها مصر في «جمعة الغضب» في 28 كانون الثاني (يناير) 2011، وتهريب سجناء بينهم مرسي نفسه. وارتدى مرسى للمرة الأولى علناً ملابس السجن الاحتياطي البيضاء أسوة بكل المتهمين. ووقف المتهمون في قفص حديد غُلف من الداخل بزجاج عازل للصوت، وقُسم القفص إلى جزءين، خُصص أحدهما لمرسي وحده والثاني لبقية المتهمين. وحضر المحاكمة أمس 22 متهماً أبرزهم مرسي وبديع والقياديون في «الإخوان» سعد الكتاتني ورشاد بيومي وعصام العريان ومحمد البلتاجي ومصطفى الغنيمي ومحي حامد وسعد الحسيني وحمدي حسن وصبحي صالح وصفوت حجازي وحازم فاروق، فيما غاب عنها 109 متهمين أبرزهم من المصريين نائب المرشد محمود عزت والداعية يوسف القرضاوي والطبيب السابق لزعيم تنظيم «القاعدة» رمزي موافي ووزير الإعلام السابق صلاح عبدالمقصود، ومن الفلسطينيين القياديان في حركة «حماس» رائد العطار وأيمن نوفل، ومن «حزب الله» سامي شهاب وإيهاب السيد. وما إن دخل مرسي قفص الاتهام حتى لوح له المتهمون من خلف لوح زجاجي فصل بينهم، بشعارات «رابعة» وحيوه، وأدار المتهمون ظهورهم للقاضي فور دخوله القاعة، ولوحوا بشعارات رابعة، وظلوا يتمتمون بكلمات لم تُسمع داخل القاعة، في ظل تحكم رئيس المحكمة القاضي شعبان الشامي في مكبرات للصوت تسمح بسماع حديث المتهمين. وما أن اعتلت هيئة المحكمة المنصة، حتى صعد المتهمون من وتيرة هتافاتهم، ورددوا: «باطل» و «يسقط يسقط حكم العسكر»، وأبلغ محامون رئيس المحكمة أنهم غير قادرين على سماع وقائع الجلسة. وحين نادت المحكمة اسم مرسي رد عبر مكبر الصوت: «أنا رئيس الجمهورية الشرعي. إنت مين؟ إنت تعرف أنا فين من الصبح؟». فأجابه القاضي شعبان الشامي: «أنا رئيس محكمة جنايات القاهرة»، فرد مرسي: «أنا مش شايفك ومش سامع حاجة خالص (لا أراك ولا أسمع شيئاً). أنت مين؟ أنا هنا من السابعة صباحاً»، فرد رئيس المحكمة: «يا محمد يا مرسي أنا سامعك كويس وانت كمان سامعني (أسمعك جيداً وتسمعني)، ويجب أن تلتزم بنظام الجلسة وسيرها»، ثم أغلق الميكروفون. كما أظهر المرشد عدم قدرته على التواصل مع هيئة المحكمة، وبدا غير منتبه للنداء المتكرر على اسمه، فقال المحامون إن المتهمين لا يسمعون القاضي، غير أن قيادات أخرى من الجماعة، منها محمد البلتاجي، ردت على نداء القاضي بشعارات سياسية منها: «يسقط يسقط حكم العسكر» و «باطل». وطلب متهمون تمكينهم من الذهاب إلى دورات المياه لأن الشرطة رفضت طلبهم، فطلب القاضي ممن يريد دخول دورة المياه رفع يده، فرفعوا جميعا أيديهم، فرفض القاضي الطلب. وأبدى محامو المتهمين اعتراضهم على وضع موكليهم داخل قفص زجاجي، ودخلوا في سجال مطول مع رئيس المحكمة، الذي أكد لهم أنه وأعضاء هيئة المحكمة أجروا بأنفسهم معاينة للقفص الزجاجي وتأكدوا مِن تمكُّن مَن بداخله من سماع ما يدور في القاعة بوضوح. وفي حين كان ممثل النيابة العامة يتلو أسماء المتهمين جميعاً وقرار الاتهام، بدا الرئيس المعزول متوتراً، وظل يجول داخل القفص، وأظهر استياء بالغاً من عدم تمكنه من إسماع كلماته للحاضرين في القاعة، وانتهز كل فرصة سمح له فيها رئيس المحكمة بالحديث لتأكيد تمسكه بمنصبه وشرعيته، فيما أظهر رئيس المحكمة حزماً إزاء الخروج عن إجراءات سير الجلسة. والتفّت غالبية قيادات «الإخوان» في القفص حول مرشد الجماعة محمد بديع وانبرى الكتاتني خصوصاً في حديث طويل معه فيما كان ممثل النيابة يتلو قرار الاتهام. ولوحظ أن قادة الجماعة أطلقوا لحاهم في شكل لافت، وسعوا إلى إظهار عدم اكتراثهم بما ذكره المحامي العام لنيابة أمن الدولة العليا تامر فرجاني في قرار الاتهام، ولم تظهر على وجوههم أي تعبيرات لافتة فيما كان ممثل النيابة يكيل لهم الاتهامات. وقال ممثل الادعاء إن المتهمين «ارتكبوا عمداً أفعالاً تؤدي إلى المساس باستقلال البلاد وسلامة أراضيها»، لافتاً إلى أن «بعضهم أطلق قذائف صاروخية من طراز آر بى جي وأعيرة نارية كثيفة فى المناطق الحدودية من الجهة الشرقية مع قطاع غزة، وفجروا مكامن حدودية وأحد خطوط الغاز، واستقلوا سيارات دفع رباعي مدججة بأسلحة نارية ثقيلة وتمكنوا من السيطرة على الشريط الحدودي بطول 60 كيلومتراً، وخطفوا ثلاثة من ضباط الشرطة وأحد أمنائها، ودمروا المنشآت الحكومية والأمنية، وواصلوا زحفهم صوب سجون المرج وأبو زعبل ووادي النطرون لتهريب العناصر الموالية لهم». وأكد أن «المتهمين حطموا أسوار السجون، وخربوا مبانيه وأضرموا النيران فيه، واقتحموا العنابر والزنازين، وقتلوا عمداً بعض الأشخاص وشرعوا في قتل آخرين، ومكّنوا المسجونين من حركة حماس وحزب الله اللبناني وجهاديين وأعضاء في جماعة الإخوان وجنائيين آخرين يزيد عددهم على 20 ألف سجين من الهرب». وأشار إلى أن «متهمين اتفقوا مع هيئة المكتب السياسي لحركة حماس وقيادات التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وحزب الله اللبناني، على إحداث حال من الفوضى لإسقاط الدولة المصرية ومؤسساتها، تنفيذاً لمخططهم، وتدريب عناصر مسلحة من قبل الحرس الثوري الإيراني لارتكاب أعمال عدائية وعسكرية داخل البلاد، وضرب واقتحام السجون وتهريب المسجونين الموالين لهم الأجانب والمصريين». ووجهت النيابة إلى مرسي تهمة الفرار من سجن وادي النطرون بالقوة وجرائم أخرى. وسعى متهمون إلى تعطيل استكمال ممثل النيابة تلاوة أمر الإحالة، ورددوا: «باطل». وحمل بعضهم زجاجات مياه ومصاحف وحقائب صغيرة، وطرقوا على المقاعد المخصصة للجلوس داخل القفص واعتلاها بعضهم للهتاف. واستهل محامو المتهمين حديثهم بعد تلاوة قرار الاتهام بطلب لقاء مرسي، فرفعت المحكمة الجلسة للاستراحة لتمكين الدفاع من لقائه، وصرحت لثلاثة منهم بالبقاء، وهم كامل مندور ومحمد الدماطي ونبيل عبدالسلام. وبعد استئناف المحكمة جلستها، طلب الدفاع تمكين مرسي من الحديث إلى المحكمة، فوافق رئيسها، وسمح لمرسي بالحديث، فعبر عن تقديره واحترام للمحكمة وللجميع «بغض النظر عن المسؤوليات والمناصب»، معلناً أنه يوكل المحامي الإسلامي محمد سليم العوا لتقديم «شرح واف عن الدفع بعدم اختصاص المحكمة وشرح الوضع الدستوري لمحاكمتي». وقال مرسي إن «هذه الإجراءات ليست صحيحة. أنا الرئيس الشرعي، والدستور يحدد إجراءات محاكمة الرئيس، ومن ثم المحاكمة الحالية باطلة. هل تعرف المحكمة أين بِتُّ الليلة الماضية؟... لم أقابل المحامين سوى مرة واحدة، ولم التقِ عائلتي... تم خطفي قسراً من داخل دار الحرس الجمهوري بالتواطؤ بين وزير الدفاع والحرس الجمهوري. أريد أن يبقى القضاء بعيداً من هذه المهاترات التي ستزول حتماً، وأربأ بتوريط القضاء في الانتقام السياسي مني. هناك انقلاب عسكري في البلاد دباباته تملأ الشوارع ولا أحد يملك أن يقابلني بغير إذني ولا في غير المكان الذي أحدده، والشعب سيزيل المؤامرة... الخائن يُخان». وبعد حديث سياسي طويل أصر مرسي خلاله على تمسكه بشرعيته، أغلق القاضي الميكروفون، وقال له: «خلاص يا محمد يا مرسي». وفي نهاية الجلسة أرجأ القاضي المحكمة لجلسة 22 شباط (فبراير) لمنح المحامين أجلاً للاطلاع. وكان عشرات من معارضي «الإخوان» تجمعوا أمام مقر المحكمة، وهتفوا ضد مرسي و «الإخوان»، فيما نشبت اشتباكات عنيفة بين مئات الإخوان من جهة والشرطة وأهال من جهة أخرى في ميدان رمسيس في قلب القاهرة وقرب دار القضاء العالي. وألقت الشرطة القبض على عشرات «الإخوان» بعد كر وفر بين الطرفين، وأعلنت أن قواتها عثرت على عبوة متفجرة تم إبطال مفعولها بعد فض تجمع «الإخوان» قرب دار القضاء العالي.