تحمل الغربة منذ أعوام طويلة، استطاع تكوين أسرة، ولكنه لم ينسَ شقيقاته البائسات في بلده. ظل يستقطع من راتبه مبلغاً شهرياً ليسترهن، خصوصاً بعد وفاة والديه. ظل دائماً وفياً لأسرته وأقاربه قائماً بواجباتهم، وكان يمني نفسه بالعودة إلى الوطن فور تأمين مستقبل أسرته، إلا أن السوداني «أبومحمد» لم يكن يعلم أنه وخلال الأعوام الأخيرة أدخل نفسه في شبكة معقدة من الديون، أعاقته حتى عن العودة إلى أرضه الأم. ويقول أبومحمد: «منذ ثلاثة أعوام ونصف العام عنقي مقيد بقلادة القرض الذي اقترضته من المصرف، وهو يأخذ ثلث الراتب، وأخذت هذا القرض البالغ 75 ألف ريال بواقع قسط شهري 1.500 ريال، وأنا مضطر لذلك، نسبة إلى الضغوط التي كنت أعاني منها في ذاك الوقت، وإيجار الشقة الذي يحل وقته قبل أن تتنفس جيداً لتجد الإيجار واقفاً أمامك عقبة أخرى يطالب به صاحب العقار هو أيضاً». ويضيف: «بدأت سلسلة الديون بعد وفاة والدي، إذ طلب أشقائي نصيبهم من الميراث في المنزل الوحيد الذي تركه الوالد للزمن وللأسرة، وأنا لديّ ثلاث شقيقات أكبرهن مطلقة ولديها بنت لم تتزوج حتى الآن، والثانية مريضة بالصرع وتحتاج إلى علاجات شهرية، وهي أيضاً زوجها توفي وترك لها ابناً، والأخت الثالثة لم تتزوج بعد»، مشيراً إلى أنه اضطر إلى القرض المصرفي حتى يعطي أشقاءه نصيبهم وتبقى شقيقاته في المنزل، إذ ليس لهن بعد الله سواه، «وأحمد الله أني وفقت في إعطاء كل واحد منهم نصيبه في المنزل، وأسهمت في ستر أخواتي وأبنائهن». ويتابع أبومحمد: «العام الماضي تعرضت إلى حادثة سير أثناء قيادة سيارتي، وأصبت بكسر في منطقة الحوض، ورقدت في المنزل ثلاثة أشهر ونصف الشهر على سرير المرض لم أخرج فيها من المنزل، وأنا راقد طريح الفراش في المنزل من جراء تلك الحادثة، ثم بعد أن تحسنت بحمد الله من تلك الوعكة اشتريت سيارة أخرى بعد انعدام سيارتي في تلك الحادثة». وجد أبومحمد نفسه محملاً بأعباء لا قبل له بها، أسرة وشقيقات وأعباء منزلية ومصاريف، كما وجد نفسه بلا سيارة، فاضطر إلى شراء سيارة أخرى تكفيه كلفة الأجرة وتقله على الأقل إلى مقر عمله، «اشتريت سيارة من أحد أبناء جلدتي، ب 22 ألف ريال، وكانت عليها أقساط شهرية تبلغ 800 ريال شهرياً»، مؤكداً أن الديون تزداد في شكل لافت، «أنا كمن يغسل الدم بالدم، لم أجد حلاً، ولا أبالغ لو قلت إنني لم أذق طعم النوم الهانئ منذ ثلاثة أعوام، فعلاوة على ما ذكرت هناك أكثر من شخص اقترضت منهم مبالغ متفرقة، ومع أنهم لم يطالبوا بها إلا أنها تظل عبئاً ثقيلاً». أبومحمد يرى أنه فارق وطنه أكثر من اللازم، وليس بينه وبين أرض وطنه سوى سداد تلك الديون، «أريد أن أقضي ما تبقى لي من أعوام في بلدي، أريد أن أقيم بالقرب من أهلي وأقاربي، وأملي بعد الله سبحانه وتعالى في الموسرين وفاعلي الخير أن يساعدوني في تحقيق رغبتي».