في منزل متواضع يقع في قمة جبل في أحد أحياء الطائف العشوائية، الطريق إليه يمر بمنحدرات صعبة، تسكن هاجر وشقيقتاها بشائر وحنان. وردات ثلاث في مقتبل العمر اعترض الحزن طريقهن، وعجل ذبولهن وعكر تباريح الطفولة والصبا. غادرت الفرحة ملامح الصغيرات البريئات بعد أن غيب الموت والديهن، وواجهن حياتهن بجناحين مكسورين، واختطف اليتم البسمة من شفاه الجريحات الثلاث، وحولها إلى دموع تنزف وتعبر عما في أعماقهن من حسرة وجروح عميقة في نفوسهن. في المنزل الذي يؤيهن وجدتهن المسنة التي تتولى رعايتهن، والتي تجاوزت عامها السبعين، زوايا وجدران مشبعة بالصمت الحزين، حاولت الطفلة هاجر ذات ال12 عاماً اختراقها والتعبير عن معاناتها، بيد أنها انهارت في بداية حديثها واخذت تذرف الدموع حسرة على فقد والديها، والمصير المجهول الذي ينتظرها وشقيقتيها اللاتي يصغرنها في السن، وبعد مرور بعض الوقت تمكنت من الحديث: «فقدنا والدنا في حادث مروري قبل ستة أعوام، وانكسر أحد الأجنحة التي كانت تساندنا، وبقي رديفه الذي تمثله والدتنا، إلا أن المرض أصابها وأدخلت إلى المستشفى، وتطلبت ظروفها الصحية تنويمها أعواماً عدة، بعدها تدهورت صحتها وانتقلت إلى رحمة الله تعالى العام الماضي». وتضيف: «فجأة أصبحت وشقيقتاي بشائر وحنان مكسورات الجناحين، ننظر إلى كون موحش بفجوة في النفس كبيرة جداً»، مؤكدة أنهن حرمن حنان الوالدين في وقت كن في حاجته. وتتابع هاجر: «نبحث عن الحنان ونفتقده، ووجدنا بعضه في أحضان جدتنا، إلا أن ما يخيفنا أنها مثقلة بالأمراض جراء تقدمها في العمر»، لافتة إلى أن العجوز المسنة تحاول بكل ما أوتيت من قوة توفير ما يحتجن إليه وتعويضهن عن فقد والديهن. وعن الأوضاع النفسية التي يعشنها، تؤكد: «أحاطنا اليتم وحلق بنا في عالم تغشاه ظلمات بعضها فوق بعض، ننظر إلى الأطفال الآخرين وهم ينعمون بوالديهم ونغبطهم على النعمة التي نفتقدها ولن تعود إلينا مرة أخرى»، مشيرة إلى أنهن فتيات ضعيفات لا يوجد لديهن شقيق يساندهن في هذه الحياة القاسية. ما يؤرق هاجر وجدتها المسنة أنهن لا يملكن من حطام الدنيا سوى ما يسد الرمق في ظل غلاء المعيشة، «حتى المنزل الذي نسكن فيه لا نملكه ولا نعلم عن المستقبل، فلا مبنى نملك ولا حتى أرض أو قرض، ودخلنا الشهري لا يتجاوز ثلاثة آلاف ريال، هو عبارة عن 1400 ريال من الضمان الاجتماعي و900 من جمعية الأطفال الأيتام تستهلكه مطالب الحياة المعيشية». واقع مرير يعشنه فتيات منكسرات، خصوصاً في الليالي المظلمة، «في الليل يعترينا الخوف مع الحزن، نبكي حتى ننام، ولا نخبر جدتنا بذلك، فهي ضعيفة أيضاً وتحتاج من يعتني بها»، لافتة إلى أن الأمراض التي تدهم جدتها بين فترة وأخرى تقلق حياتها كثيراً، «ماذا نفعل لو فارقت الحياة لا سمح الله»؟.