بين الخوف من المقبل والواقع المبكي يعيشون، لم يعد مهماً لديهم خواء بطونهم، ولا عجزهم عن تأمين الحد الأدنى من الضروريات. إنهم يعيشون الظلام ويقاسون الحزن ويشعرون بالضعف والعجز. الحاجة باتت أقل اهتماماتهم، والأمراض الجسدية لم تعد تؤثر فيهم، والدموع وسيلتهم الوحيدة للتنفيس عن أنفسهم، ومع ذلك لا ينفك الحزن مرافقاً لهم. لا يمكن أن تعيش أسرة في سعادة وهناء وستة من أفرادها مصابون بالعمى، بينما يعاني معظم البقية ضعفاً في النظر. وتعيش هذه الأسرة السعودية المكونة من 17 فرداً تحت وطأة العوز والفاقة وقلة الحيلة، في منزل يفتقر إلى أبسط متطلبات الحياة وفي مقدمها الكهرباء. ويخيم الحزن والعجز على جميع أفراد الأسرة، جراء ما يشعرون به من عوز وعجز عن تحسين ظروفهم، وإصابة معظم أفراد الأسرة بضعف النظر، علاوة على ست فتيات مصابات بالعمى. ويقول أبو رائد رب الأسرة: «ضاعت حياتنا بين العوز والمرض، فراتبي التقاعدي 2700 ريال، وهو لا يسد رمق أطفالي، ونعيش بقية الشهر في حال لا يعلمها إلا الله»، موضحاً أنه تأتي عليهم أيام لا يجدون ما يؤكل في المنزل. لم يكن العوز هو نهاية المطاف لهذه الأسرة، فقد فصلت شركة الكهرباء الخدمة عن منزل أبي رائد لعدم سداد الفاتورة لأكثر من سنة. ويؤكد: «تقاعدي لا يكاد يفي بأقل ما يمكن من حاجات أسرتي، فكيف لي بدفع أجرة الكهرباء المتراكمة؟»، لافتاً إلى أنهم يعيشون بلا كهرباء منذ نحو خمسة أشهر. لم يستطع أبو رائد إكمال معاناته وأجهش بالبكاء وهو يقبل ابنته الصغيرة المعوقة: «يتقطع قلبي عشرات المرات في اليوم وأنا أشاهد ابنتي المسكينة ترتطم بجدران المنزل وتسقط»، مشيراً إلى ضعف النظر الذي تقاسيه طفلته. وأمام الظروف القاسية والحزن العميق لا تملك أم رائد سوى «الدموع والدعاء بشفاء أبنائها وتحسن حالتهم المعيشية»، مستدركة: «أنا امرأة مؤمنة ولكنني أتعذب وأنا أشاهد أبنائي يقاسون هذا الألم النفسي، ويحز في خاطري أننا لم نستطع إسعادهم وتأمين ما يحتاجون، خصوصاً وهم يلحظون الفرق بينهم وبين بقية أقرانهم». سحر ذات ال 23 عاماً كفيفة تعودت ان تتجول داخل البيت بعصا، وتقول إن ما يواجهونه من ظروف قاسية كانت أكبر مما يتحملون: «افتقدنا السعادة ووجدنا أنفسنا وحيدين وتعساء، فالحزن في كل مكان، ووالدي رجل كبير ونحن ابتلينا بهذا المرض الذي يصيبنا في الصغر ويقضي على نظرنا في الكبر»، مؤكدة أن كل طفل صغير في العائلة معرض للإصابة بهذا المرض الغريب. وهذا ما عبر عنه أحد الصغار وهو يذرف دموعه: «أنا خائف أن يصيبني العمى مثل إخواني». وعلى رغم معاناتهم اليومية التي لا تنتهي، فإن أصعب اللحظات التي تمر على أبو رائد هي عجزه عن دفع الإيجار ودفع فاتورة الكهرباء، بسبب فقره وقلة حيلته، متمنياً من فاعلي الخير زيارته في منزله حتى يتأكدوا من الوضع السيئ الذي تعيشه أسرته، لعل ذلك يكون باباً لمساعدتهم.