يا بنت لا يغويك جرّ الربابة تراه جلد قعيّدٍ بين عُودين بهذا استشهد زميلنا الكاتب في جريدة الرياض الأستاذ عبدالعزيز المحمد الذكير عبر زاويته "نافذة الرأي" وتحت عنوان "جرّ الربابة" وذكر أنه لا يعرف قائل هذا البيت النبطي، ولعل أحداً يفيدنا عن هذا البيت اليتيم الذي ظللت أبحث عن قائله فلم أصل إليه، حيث يعقّب الذكير عليه بأنه لم يكشف لنا سراً صناعياً، لكنه يقول لنا: "إن الربابة كانت جزءاً من الترفيه المسكوت عنه عبر منتصف القرن الهجري الماضي، بالرغم من هذا فقد تذكرتُ رجلاً حصل على ما "يستحق" من التأديب الجسدي لأنهم ضبطوه "متلبسا" في ربط وتر من شعر حصان إلى علبة معدنية، ووتر آخر يربط نهايتي قوس خشبي، وقد حطموا "أداة الخطيئة" أمام الناس في السوق" أ.ه الربابة.. تلك الآلة الموسيقية الوترية الحزينة دائماً، من الآلات ذات الوتر الواحد، حيث تصنع الربابة من الأدوات البسيطة المتوفرة لدى أبناء البادية كخشب الأشجار وجلد الماعز أو الغزال وسبيب الفرس، وقد ورد ذكر آلة الربابة في العديد من المؤلفات القديمة لكبار العلماء أمثال الجاحظ (159-255ه) في مجموعة "الرسائل" وعبدالرحمن بن خلدون الحضرمي (1332-1382م)، وورد شرح مفصل لها في كتاب الفارابي (260-339ه/874-950م) "الموسيقى الكبير"، و هناك صورة لآلة الربابة على قطعة حرير وجدت في إيران وتوجد الآن في متحف "بوسطن" للفنون. وقد عرف العرب سبعة أشكال من الربابة وهي: المربع والمدور والقارب والكمثرى والنصف كرى والطنبوري والصندوق المكشوف، وبعد الفتح الإسلامي للأندلس انتقلت الربابة إلى أوروبا وتغيرت تسميتها ففي فرنسا سمّيت "رابلا"، وفي إيطاليا سمّيت "ريبك"، وحالياً في أسبانيا تسمى "رابيل" أو "أربيل". أجزاء الربابة مكوّنة من "الهيكل" عبارة عن عصا طويلة هي عنق الربابة التي يركب عليها الوتر الوحيد ومثبت أسفلها "طارة الربابة"، وفي أعلاها مجرى يثبت بها "الكراب" الذي يعمل على شدّ الوتر من أسفل العصا لأعلاها ماراً بطارة الربابة حيث أن وظيفتها تكبير الذبذبات الناتجة عن الوتر المشدود عليها، وهي عبارة عن كتلة خشبية مفرغة يتم شدّ جلد ماعز أو غزال من جهة والجهة الأخرى تثقب، وأفضل الجلود التي تصنع منها جلد الذئب، وكذلك من أجزائها "السبيب" وهو الوتر عبارة عن مجموعة من شعر ذيل الحصان ويصنع منه وتر الربابة ووتر القوس، ويجمع ويثبت بواسطة خيوط متينة، أما "الكراب" فهو قطعة خشبية تثبت بأعلى العصا يتم بها شد وتر الربابة إلى الدرجة المطلوبة، وكذلك "القوس" الذي يصنع في الغالب من عود الرمان أو الخيزران لمرونته ويشد عليه وتر آخر، بالإضافة إلى "الغزال" عبارة عن قطعة خشب رفيعة توضع تحت الوتر من أسفل لترفعه عن الطارة حتى لا يلامسها عند العزف والضغط عليه، وكذلك "المخدة" عبارة عن قطعة قماش صغيرة توضع تحت الوتر من أعلى لترفع الوتر عن ساق الربابة، ووظيفتها كوظيفة "الغزال" في الجهة المقابلة، والمجموعات التي تصاحب آلة الربابة تقتصر على مصاحبة الصوت البشري سواء الغناء أو الإنشاد كما في المشرق العربي: بوادي اليمن مثل الجوف ومأرب، نجد، شمال الجزيرة، الكويت، العراق، بوادي الأردن، وشرق سورية، أو السيرة الشعبية كما في المغرب العربي مثل صعيد مصر، وهناك تقوم بالعزف يصاحبها آلات أخرى مثل: الرق والسلامية والدربكة أو آلات ربابة أخرى متباينة الحجم. وقد تغنى شعراء الفصحى والشعبي بالربابة وعلى الربابة كذلك في الشعرين التقليدي والحداثي، ولعلنا نستشهد بقصيدة "أيها الولد البدوي" للشاعر سليمان الفليّح (1950-2013م) الذي غادرنا قبل أيام –رحمه الله- الذي قال مضمّناً قصيدته البيتين الأولين للشاعر النبطي محمد العبدالله العوني (1836-1922م) – رحمه الله – وهي تحوي عددا من الألفاظ الشعبية، وقد نشرتها الشقيقة مجلة اليمامة في العدد 916 في1/12/1406 ه : أيها الولد البدوي ائتنا بالربابة.. وغن لنا "ياطويل البقا" ماينحي الكآبة: راكب فوق حر يذعره ظله مثل طير كفخ من كف قضابه ماحلى فزته والخرج زاه له والمبارك على متنه تثنى به وتأنى قليلاً بلحنك إن السماء ملبدة باللواغيد قبل انسيابه. وكذاك الصحاري مملوءة بالعقارب والليل يرخي حجابه ونحن سنسهر حتى الصباح، نعيد حديث الصعاليك، نأرق أن نام كل خلي وأوصد بابه نقتسم تمرتنا.. ونقاسم كل شقي بهذا الزمان عذابه ونختط مااختط بالسيف أسلافنا بالكتابة ونردد معاً: "من خط درباً واضحاً للمعالي لازم على الشدات تضرب ركابه" نعاني التشرد والفقر لابأس.. فالدهر أن كان صلباً فليس علاج الصلابة إلا الصلابة. وسيف يطيل الإقامة في الغمد يؤتى الصدأ في جرابه وموت الحياة حياة الجبان وموت الممات حياة الشجاع فأي ممات نشابه؟! غن لي أيها الولد البدوي فثلج تراكم في الروح منذ سنين يريد الإذابة فأشعل روحي لهيباً فحادي القوافي تغرب عني طويلاً إلى أن خمدت فطال اغترابه أضئني فإني لمحت بنارك عروة والشنفرى و"تأبط" والعنبري وشظاظ وابن الغرابة.. تبارك شجوك أني ثملت بهذا الأنين الأليف رحلت لكل العصور.. انتبهت لنور الصباح الجديد فتحت ذراعي للفجر قلت: هلا به! والشعر الشعبي يحظى بالنصيب الأوفر في التغني على صوت الربابة فهو فنّ مازال قائماً، وقد غنّيت آلاف القصائد الشعبية على الربابة وبأوزان متعددة. سليمان الفليّح