لا أحد يرغب بعرض الفيلم القصير. صالات السينما في الدول الغربية، والتي كانت تخصص قبل عقود مساحات له قبل أفلامها الروائية المقررة، توقفت في شكل واسع عن ذلك التقليد، فيما لم تعرف المحطات التلفزيونية في تاريخها الطويل أي علاقة جديّة بالفيلم القصير، ولم تَّجد له مكاناً في برمجتها التقليدية. وحدها المهرجانات السينمائية، بقيت الراعي الأساس وأحياناً الوحيد لهذا الشكل الفنيّ، رغم ما يتضمنه هذا الأخير من تجريب واتجاهات إبداعية مُتميزة ما زالت غير معروفة لنسبة كبيرة من جمهور المواد الفنيّة. لم تُحقق الأفلام القصيرة، عدا قناة الفيلم القصير الأميركية، اختراقاً يُذكر للمشهد التلفزيوني الواسع في السنوات الأخيرة، والذي شهد وفرة في القنوات المتخصصة بكل شيء تقريباً ويبث بعضها عبر الإنترنت. تتخذ القناة المذكورة من الولاياتالمتحدة مقراً لها، ويصل بثها عبر «الكايبل» لدول اوروبية منها هولندا وبريطانيا وتركيا. ويعود تاريخ بدئها الى العام 2008، ولكن بمقارنة البرامج التي كانت تعرض وقتها، والتي تعرض اليوم، تبدو الفروقات ضئيلة، لجهة تنوع البرامج المقدمة او الأفلام المعروضة على شاشة القناة التي تبث على مدار الساعة. ينقسم بث القناة بين برامج ذات ثيمات معينة، وساعات مخصصة لعرض أفلام تسجيلية جمعت من دون برمجة واضحة عدا ذائقة المحرر. ومن البرامج التي تعرضها برنامج «أفضل ما في المهرجانات»، ويقدم أفلاماً قصيرة من التي حازت على جوائز او اهتمام شعبي ونقدي عند عرضها في المهرجانات السينمائية. هناك أيضاً برنامج أفلام قصيرة كوميدية، وآخر عن الحب، وبرنامج لأفلام طلاب من الولاياتالمتحدة، وآخر عن أفلام قصيرة قام او يقوم ببطولتها نجوم من عالم السينما الروائية، وبرنامج عن الأفلام التسجيلية القصيرة. وعلى رغم العناوين المثيرة لبرامجها، جاء المحتوى هزيلاً، اذ اتجهت الاختيارات نحو الأفلام الأميركية والبريطانية. كما بدت غريبة كثيراً، فالأفلام المعروضة لا تُشبه بأساليبها وتجريبها وتميزها ما يُعرض في المهرجانات السينمائية، وبدت قريبة للتلفزيون لا لعالم السينما. حتى البرامج التي تُقدم خفايا الفن السابع، اتجهت غالبيتها لنقاش سينما روائية طويلة، واستضافت أسماء معروفة، من التي تظهر مراراً في برامج السينما التي تعرضها القنوات التلفزيونية العادية، ولم تركز على تجارب متخصصة في الفيلم القصير. وحده برنامج سينما الطلبة، يبرز باعتباره جهداً مهماً بالتعريف بتجارب طلاب السينما، رغم اقتصاره على الطلاب الأميركيين. ربما تبدو حسنة القناة الوحيدة بمحتواها الحالي، هو ريادتها لجانب علاقة جديدة بين السينما القصيرة والتلفزيون، فهناك مُتسع للأفلام القصيرة في البرمجة التلفزيونية للقناة العامة، وكل ما يحتاجه التلفزيون، هو عدد من محررين عارفين بلغة هذه السينما قادرين على جَمع أفلام الساعة او نصف الساعة التلفزيونية، والتي ستجد بالتأكيد من يُقدر أسلوبها المُكثف ولغاتها البصريّة والرمزيّة الخاصة.