حين تتضح النيات، وتبدو الرغبة واضحة في دعم الثقافة السينمائية في هذا البلد العربي او ذاك، تأتي السياسات من مسار آخر، يؤشر الى أن المناسبة الثقافية شيء، والاستراتيجية الثقافية شيء آخر. آخر الأمثلة شهدناها في مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي في دورته السابعة التي حظيت بدعم كبير من دولة ابو ظبي تمثل في مظاهر كثيرة منها الدفع بمدير شاب من أبناء البلد، اضافة الى الباقة الغالبة من العرب العاملين في إدارة المهرجان، ومنها -وهذا هو الأهم- إنشاء مؤسسة جديدة لدعم المهرجان وادارته وادارة لجنة أبو ظبي للأفلام لتفعيل اعمال المهرجان السنوي بالتركيز على السينما العربية العالية الجودة ودعم كل اجيال صناعها لأمرين مهمين: الأول تحويل ابو ظبي مركزاً لدعم الانتاج السينمائي الخليجي والثاني تأسيس ثقافة سينمائية حية في ابو ظبي ومنطقة الخليج. وعلى رغم هذه الأهداف النبيلة، فإن عناصر تأسيس ثقافة سينمائية لا بد من ان تتكامل من كل قنوات الثقافة. ولعل اكبرها الآن، قنوات التلفزيون التي بدأت عامة ثم اصبحت متخصصة، بل شديدة التخصص. ومع وجود شبكة تلفزيون قوية لأبو ظبي تمتلك قنوات عامة وخاصة، منها قنوات للرياضة والشعر، تغيب الثقافة السينمائية فيها على رغم بث افلام عربية واميركية عبر قنواتها العامة (الاولى والثانية). ولا ينطبق هذا على شبكة ابو ظبي وحدها، بل يطاول شبكات تلفزيونية بارزة مثل شبكة «الجزيرة» التي تمتلك قناة وثائقية نادراً ما تقدم تلك الأفلام المهمة التي تعرض في المهرجانات الدولية ومنها مهرجان «الجزيرة» ومهرجانات الخليج تحديداً... ناهيك بالشبكات الكبرى الأخرى. باختصار، يبدو وكأن ثمة اتفاقاً بين كل هذه القنوات على ان مفهوم الثقافة السينمائية هو تغطية المهرجانات من خلال برامج احتفالية، يغلب عليها الطابع الخبري ولقاءات النجوم. اما عرض الأفلام وتقديم حوارات حولها فمن شبة المستحيلات... و«لو كان عن غير قصد»، كما اتى جواب القائمين على التلفزيون المصري حين سُئلوا لمناسبة انعقاد مهرجان القاهرة السينمائي عن سبب عدم شرائهم افلام المهرجان، فكان جوابهم ان المسألة غير مقصودة، مؤكدين ان لا موازنة لشراء أفلام كهذه. بالطبع المسألة غير مقصودة لأنها غير واردة اصلاً، فرفع مستوى الثقافة العامة لملايين المشاهدين ليس ضمن خطط مالكي الشبكات والقنوات التلفزيونية، خصوصاً أن الفيلم المضمونة اعلاناته هو الاميركي، او المصري (وهذا أصبح من موقف مهزوز الآن) بعدما قفز الهندي ومن بعده التركي لينافسا بقوة. ومن هنا يصبح اعلان المسؤولين عن مهرجان ابو ظبي أن من اهدافهم تأسيس ثقافة سينمائية حية هو اعلان مؤجل حتى تطرح –على الأقل- الأفلام الفائزة في مهرجانهم على جمهور البيوت العربية، سواء كانت افلاماً طويلة ام قصيرة، وإذ يرسي مهرجان ابو ظبي قاعدة مهمة تكسر هذا الحصار للسينما غير التجارية. فهل يصل يوم ويساهم التلفزيون في نشر هذه الثقافة السينمائية التي نتمناها بدلاً من ان يقف متفرجاً؟