قبل أن يغضب الغاضبون، ويتطير المتطيرون، ويجنحوا بأفكارهم ذات اليمين وذات الشمال، وتتصاعد الاتهامات الجارحة والانتقادات القاسية والمناظرات الفلسفية الأفلاطونية العقيمة، وتتقاذفني الشتائم من كل حدب وصوب، خصوصاً أن كثيراً – للأسف - من الشعب السوري والعربي أيضاً لا يزال طفولي التصرف، بدائي التفكير، سلاحه الوحيد الذي يتباهى به ويختال ضد معارضيه هو السب والشتم والتخوين. أولاً: لا يماري عاقل ولا ذو بصيرة ولا منصف في أن المجاهدين المقاتلين على أرض الشام أفضل – على العموم وليس على الإطلاق أو التحديد – من القاعدين، لأنهم يضحون بأرواحهم دفاعاً عن القاعدين. ثانياً: لكن هذه الفضيلة محددة ومقيدة بأن يكون القتال في سبيل الله والمستضعفين من الناس، وفي سبيل إسقاط النظام الأسدي. ثالثاً: حينما يتغير هدف القتال إلى المتاجرة بأرواح الناس وكسب المال والسيطرة على الناس واستعبادهم والتحكم في شؤونهم الحياتية بعقلية فردية أو حزبية، أو حسب مفهوم جماعة معينة، وفرض أحكام تدعي أنها شرعية، وما هي بشرعية، لكنها أحكام عبيدية فرعونية طاغوتية، لها نكهة شرعية، يكون في هذا هلاك للمقاتلين. رابعاً: حينما يتحول المقاتلون من التصدي للعصابات الأسدية وحلفائها إلى مقاتلة بعضهم بعضاً وتمكين العصابات الأسدية من الاستفراد بكل فصيل لوحده والتغلب عليه واستعادة السيطرة على الأراضي المحررة واحتلالها من جديد. خامساً: حينما يدعي أمير أحد الفصائل المقاتلة أنه «أمير المؤمنين» وينشر أتباعه فيديو يمجدونه ويعظمونه ويعتبرونه الشخص الوحيد المؤهل من دون كل المسلمين ليكون أميراً عليهم، فهذه كارثة مزلزلة وسفه وغرور واستعلاء وغطرسة. سادساً: وفي المقابل حينما يطلع علينا، في فيديو آخر، أحد «أمراء» فصيل آخر، يندد ويستنكر قول الذين يقولون إن ما يجري بين المجاهدين فتنة، ويتفلسف في تعريف الفتنة، ويؤكد أن ما يجري هو صراع بين الحق والباطل، معتبراً نفسه على حق، والفصيل الأول الذي يقاتله على باطل، ويشرعن هذا القتال من دون إبراز أي وثائق ولا برهان واحد على صحة دعواه، ولا يبذل أي جهد في سبيل الإصلاح بين الفئات المتقاتلة انصياعاً لأمر الله، فهذا فيه هلاك له ولمن حوله. سابعاً: وحينما بقيت جميع الفصائل الجهادية على اختلاف مشاربها وانتماءاتها تقاتل العصابات الأسدية، جنباً إلى جنب، وبتنسيق وتعاون جيد لأكثر من عام، ولم يحصل في يوم من الأيام أي اشتباك أو اصطدام بينها إلا في الأيام الأخيرة، وقبل موعد المؤتمر الأسود جنيف بأيام قليلة، وظهور أسلحة بكميات كثيرة لدى الفصائل المدرجة حسب المقاييس الأميركية - الإيرانية - الروسية في خانة الاعتدال، لقتال الفصيل الآخر المعتبر لدى معيار الثالوث نفسه أنه: متطرف، متمرد، خارج على القانون! هذا يعني أن طبخة ذلك الثالوث الشيطاني المريد لإشعال فتيل الحرب بين المجاهدين قد نضجت وأصبحت جاهزة للأكل. ما كان المسلمون الصادقون في يوم من الأيام خباً، ولا الخب يخدعهم. لكن الخب المريد تمكن من إشعال نار حرب بين ثوار الشام الجهلة، ستحرقهم وتحرق الشام وأهله. ولا أدل على ذلك من سقوط ألف قتيل – حسب وكالات الأنباء – من الثوار في أيام معدودة، لم يتمكن الأسد وحلفاؤه من قتل ربعهم في الفترة الزمنية نفسها. وفي هذا هلاك للمقاتلين ولمن حولهم. ثامناً: ولكن الأنكى والأدهى والأمرّ هو غياب ما يسمى بعلماء الشام أو المسلمين، إلا من بعض التحركات الفردية الخجولة، ومن فتوى سيئة السمعة من هيئة علماء سورية التي أفتت بكل جرأة بوجوب قتال تنظيم الدولة، من دون أن تظهر لنا بالصوت والصورة عملية الإصلاح التي أجرتها بين قادة الفصائل المتحاربة، كي نتأكد يقينياً من هي الفئة الباغية التي رفضت وبشدة وإصرار الإصلاح وإطفاء نار الحرب. وفي هذا هلاك لما يسمى بعلماء الأمة ولمن حولهم من الأمة. إن الحل السريع لإطفاء نار الحرب بين المقاتلين هو: أن يتداعى في شكل عاجل كل من يسمي نفسه عالماً، أو طالب علم، أو يهمه أمر الثورة السورية، في أي بقعة من الأرض، إلى الاحتشاد في أرض المعركة، وجمع قادة الفصائل المتحاربة لإجبارهم على إيقاف الحرب بينهم، لأن هذا مصير أمة كاملة وليس مصير أفراد أو جماعات معدودة. واصدار وثائق مرئية مسموعة بكل ما يجري من عمليات إصلاح ونشرها على الأمة، ليعلم كل فرد منها من هي الفئة الباغية التي ترفض الصلح، أو ترفض الهدنة لما بعد القضاء على النظام الأسدي، كي تتوجه دعوات ولعنات كل المسلمين عليها، وتتوجه كل الفئات الأخرى بالإجهاز عليها حتى إفنائها. ولولا أن جواز سفري منتهٍ منذ أشهر ولم يتجدد بعد لكنت أول الذاهبين لمقابلة هذا الذي يدعي أنه «أمير المؤمنين»، والآخر المدعي أنه «أمير الجهاد»، والآخر المدعي أنه «أمير الحرب»، وجمعتهم معاً وأرغمتهم، والسلاح فوق رؤوسهم، على أن يوقفوا الحرب فوراً بينهم، أو يقتلوني.