جاري وضع اللمسات الأخيرة على الموقع، فما هي إلا ساعات ويبدأ العمل الجديد الذي يحمل اسماً مبدئياً هو «ثورة تاني من جديد»، وإن كان المنتج والمخرج تحفظا عن إعلان الاسم التجاري النهائي إلى حين الانتهاء من فعاليات التصوير وانتهاء العمل في الكواليس. كواليس التصوير أشبه بخلية النحل قبل إفراز «العسل» بدقائق، حيث تنظيم «الإخوان» منشغل كل الانشغال باليوم المرتقب والأمل المنتظر والتوحد المنصهر في تجمع هو أقرب ما يكون إلى التفسير الفقهي السامح بارتكاب الضرر الأخف في حال تعارض مفسدتين، الأولى والأخف التحالف في مشهد ثوري في ميدان طلعت حرب مع «أبالسة» الأمس من شباب «حركة 6 أبريل» و «زنادقة» الأمس «الاشتراكيين الثوريين»، بحسب أوصاف الجماعة ومحبيها العام الماضي، على قلب هتاف واحد: «يسقط يسقط حكم العسكر» وبطلعة شعار واحد: «الداخلية بلطجية» وبشعور متعجرف واحد: «الشهادة للشهيد والبيادة للعبيد». «عبيد» الوطن وعباد الرحمن من غير «الإخوان» يراقبون من بعد جلسات العمل المكثفة التي تجمع ثلاثي العقل المدبر للعمل المرتقب من مؤلف ألّف قصة أشبه بقصص العشق الممنوع حيث علاقة حب أغلبه شهوة حسية جمع بين ضدين أحدهما «إخواني» والآخر شبابي ثوري، وهي العلاقة التي يسلم طرفاها بأن نهايتها لا ولن تكلل بالزواج وأن محتواها لا يخرج عن إطار النزوة الحسية العابرة، ومخرج يعرف أنه الفني الأول للعمل، والمسؤول الأول عن العاملين من فنانين يجسدون الأدوار الثورية والشبابية المكتوبة وفنيين يهيئون إخراج العمل في شكل مقنع وبصورة تليق بما أنفقه المنتج الثري من أموال باهظة على مشروع يعتبره مشروع عمره الذي تعدى الثمانين. الرغبة العارمة في أن يخرج العمل الذي ستُنجَز غالبية مشاهده اليوم وغداً تزامناً مع ذكرى الثورة وضعت على كاهل «الريجيسير» مهمة هائلة قوامها مخاطبة ومغازلة وإقناع وتجهيز وحشد الممثلين الثانويين اللازمين للعمل الملحمي. فقد أصدر المنتج الذي يمثل مجموعة منتجين محليين وإقليميين من الأخوة وآخرين دوليين جمع بينهم حب الفن «الإخواني» الأصيل، أوامره بأن تحاك قصة العشق الممنوع في أجواء قريبة من ملحمة بطله ومثله الأعلى «غيلغامش» الملك الذي اعتقد مثله أن ثلثيه إله وهما الثلثان الأبديان «الإخواني» والتنظيمي والثلث الباقي بشر يفنى ومصيره العدم وهو الثلث الثوري. واجتهد «الريجيسير» ونجح في إمداد العمل اليوم وغداً بأعداد كبيرة من الكومبارس بحسب تعليمات المخرج الذي رأى فيهم مواهب ثورية مقنعة على الشاشة ووجوهاً اشتراكية وشبابية قد يصدقها الجمهور المرجو. ثم قام السيناريست بالمجهود المرجو بتحويل القصة إلى لقطات ومشاهد على أن يجري معظمها في ميدان التحرير الذي شهد أول لقاء بين البطلين «الإخوان» من جهة وثوريين هما «6 أبريل» و «الاشتراكيين الثوريين» من جهة أخرى، إضافة إلى بعض المشاهد الخارجية في أنحاء متناثرة لتبدو وكأن القصة الثورية تلقي بظلالها على طول البلاد وعرضها. غير أن المخرج تجاهل طول البلاد وعرضها واختار التركيز على القاهرة الكبرى متأملاً في أن يوفر «الكومبارس» من قواعد وحرائر وممثلين ثانويين ثوريين واشتراكيين مشهداً حشدياً مهيباً رهيباً، معللاً ذلك بأنها «عاصمة الثورة ومركزها»، وإن كان السبب الأصلي هو إرضاء رغبة المنتج في أن يخرج العمل ملحمياً مبهراً ليتم تسويقه في الخارج منافساً هوليوود بأفلامها الأميركية المؤثرة وبوليود بأفلامها الهندية المبهرة عبر «إخوانوود» بأفلامها «الإخوانية» الشرعية. شرعية «اللوكيشن» المختار للعمل، ألا وهو ميدان التحرير الذي مثل قبل ثلاث سنوات خروجاً محرماً على الحاكم، قد تتعرض للتغيير أو التبديل أو التعديل في اللحظة الأخيرة قبل أن يصيح المخرج: «أكشن»، وذلك في حال أفتى مدير التصوير بتعذر التقاط «الماستر شوت» أو اللقطة الرئيسة التي تحوي كل الممثلين والتي سيستهل بها الفيلم وتستغل في عمل الأفيش والترويج للتوزيع الخارجي. وعلى رغم أن العمل «رومانسي» يحوي حباً ثورياً جامحاً ووحدة ميدان جارفة لا تعرف من التظاهر إلا السلمي ولا تنتهج من الأعمال إلا الشرعي، في أجواء يتداخل فيها الخيال مع التشويق والإثارة، إلا أن المشهد الأول في الفيلم جاء دموياً صارخاً منافساً أعتى أفلام الرعب وأقسى أنواع «الهورور» (رعب). فقد اختار المخرج أن يكون مشهداً لقتل خمسة جنود في كمين بعيد من «البلاتوه» تماماً ولكن بطريقة سلمية تماماً لتتواءم والأجواء الملحمية المطلوبة من قبل المنتج الممول. كما أدمج لمسة من الخيال العلمي القارئ للمستقبل المنجم للأحداث، فأُقحِم مشهد يشير إلى صدور تعليمات رسمية سرية بعدم استقبال الحالات الخطيرة خلال أيام تصوير العمل في 24 و25 الجاري، وهو ما يمهد للجمهور بأن أحداثاً جللاً ستقع وإصابات خطرة ستحدث وعنفاً مريعاً سيتفجر، حتى وإن عجز مهندس الديكور عن تجهيزه، ومدير التصوير عن تصويره، وفني الخدع عن تخليقه. ولم يتبق إلا رأي الجمهور في العمل المرتقب، ومصير «الكومبارس» بعد «انقضاء المصلحة»، ومستقبل الجماعة في حال سقط الفيلم جماهيرياً.