كانت الصورة المتحركة، والتي أدى إلى اكتشافها اختراع جديد هو الكاميرا التي تصور لقطات متتالية، وهي كاميرا اخترعها أخوان فرنسيان في ورشتهما، ثم عرضها على الحائط فتظهر الصورة متحركة، كان لهذا الاكتشاف ضجة أدت إلى صناعة الأفلام السينمائية، والتي في بدايتها كان لها نوادر كأي اختراع جديد انتشر في العالم، ومنها مصر التي نُفذ فيها أول فيلم سينمائي في الإسكندرية، وعُرض في مقهي هناك، ولأن مدينة الإسكندرية كان يقطنها جاليات أجنبية كثر، إذا ليس غريبًا أن تصلها أحدث الاكتشافات من أوروبا، حيث إنها ميناء هام على البحر الأبيض المتوسط، لذلك كانت الفنانة عزيزة أمير وزوجها أحمد الشريعي من الأعيان قد سافرا إلى ألمانيا، واشتريا معدات تصوير وتحميض لإنتاج أفلام سينما لحساب شركتها (إيزيس فيلم). كانت الفنانة المعروفة عزيزة أمير ممثلة مسرحية أرسل لها الشاب التركي المغامر والآتي من أمريكا اللاتينية عن طريق كاتب معروف شامي يدعي حبيب جاماتي في طلب لقائها لعرض مشروع إنتاج فيلم على أن تموّلة وتمثل فيه دور البطولة أمامه، حيث إنه سوف يخرج ويمثل الفيلم، وأبرم معها تعاقدًا على ذلك ولكن بنود هذا العقد كانت في منتهى الغرابة والطرافة، فقد نص العقد بين المنتجة ومخرج وممثل الفيلم على أن وداد عرفي يقيم في الدور الأرضي من فيلا عزيزة أمير، حيث المعمل الذي اشترته لتحميض الفيلم مع تزوده بثلاث وجبات يومية والسجائر.. أي طوال مدة العمل بالفيلم، ثم نسبة ثلث أرباح العرض، وقد التزمت عزيزة ببنود العقد إلا أن المخرج الهمام استغرق عشرة أشهر في تصوير لقطات متفرقة أغلبها له في الصحراء يمطتي جواد، ويلبس لبسًا عربيًا قديمًا، وقد سُمي الفيلم «نداء الله» ولما لا وهو مقيم إقامة كاملة في فيلا المنتجة على الرغم أن أي فيلم في ذلك الوقت في أوروبا لا يستغرق أكثر من أسبوع تصوير، ثم تكملة مراحله لا تتعدى الشهر أصبحت المنتجة وزوجها في غاية الاستياء إلى أن جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقول المثل، حيث إنه أصر أن يضع لوحة في أول الفيلم بعنوان «الفتى العربي الجميل» وبما أن الفيلم صامت والعقد لا ينص على هذه العبارة كانت فرصة ذهبية للمنتجة أن تُوقف التعامل معه، وتسحب الفيلم، وعندما بدأت تعرض على المونتير (مركب الفيلم) ما تم تصويره أتضح لها أن ما صُور لا يعدو أن يكون لقطات لا رابط بينها ولا تصلح أن تكون فيلمًا سينمائيًا، بل مناظر متفرقة لا تصلح، فما كان منها إلا أن اجتمعت بالكاتب الصحافي أحمد جلال، وكلفتة بإعداد قصة فيلم يمكن أن يستغل فيه بعض المشاهد التي تم تصويرها، وغيّرت اسم الفيلم إلى «ليلى»، وأسندت الإخراج إلى استيفان روستي والتصوير لمصور إيطالي معروف في ذلك الوقت، وعُرض الفيلم في عرض خاص حضره رجل الاقتصاد طلعت حرب وأمير الشعراء أحمد شوقي، وقد لاقى الفيلم استحسان الحضور، وذلك لأنه أول فيلم روائي عربي مصري طويل إنتاجًا وتأليفًا وتمثيلًا وإخراجًًا، وقد سُجل كأول فيلم مصري يُعرض جماهيريًا في تاريخ السينما. أما السينما الغربية وقد صاحب ظهورها في العالم وشغف بعض الكتّاب والممثلين بها أن كانت هناك محاولات بعضها طريف والآخر مأساوي أدى إلى حوادث مفجعة، منها طلب في أحد الأفلام من الممثلة الفرنسية، وهي بطلة في السينما الصامتة أن تقفز من فوق كوبري فوق نهر، ولم يدر في خلد المخرج أن قاعدة الكوبري الخرسانية مغمورة تحت الماء عندما سقطت أصدمت بالأحجار مما جعلها تصاب، وتلقى حتفها دون أن ينتهي تصوير الفيلم، مما دفع المنتجين بعد هذه الحادثة إلى الاستعانة بما يسمى «دوبلير» أي بديل حتى لا يعرضون حياة البطل الرئيسي للخطر. أما المواقف الطريفة في هذا الصدد فإن البديل طالما فوجئ بحوادث تجعله يقع أو يصاب دون أن ينبّهوه إلى ذلك يظهر المشهد طبيعي دون مراعاة أنه قد يصاب أو ينكسر له ذراع أو قدم. كل هذه الحوادث كانت في السابق، لكن الآن أصبح العاملين في مجال الخدع السينمائية يراعون وسائل السلامة حتى لا يعرضون حياة الكومبارس أو «الدوبليير» للخطر. وفي النهاية كل شيء في حب السينما يهون في سبيل صدق التعبير.