شهد الاستفتاء على مشروع الدستور المصري المعدّل إقبالاً كبيراً في يومه الأول الذي كان بمثابة طي رسمي لصفحة حكم جماعة «الإخوان المسلمين»، ما يرسخ شرعية عزل الرئيس السابق محمد مرسي ويعزز شعبية الجيش. وتوافد المصريون منذ الساعات الأولى صباح أمس في أول أيام الاقتراع، ولوحظت كثافة الحضور الكبيرة، حتى أن وصول الناخبين استبق افتتاح لجان في بعض المناطق. واصطف الناخبون في طوابير امتدت عشرات الأمتار خارج اللجان منذ الساعات الأولى على رغم أنه يوم عمل رسمي، قبل أن يزداد الحضور مع ساعات المساء. ولوحظ الحضور القوي للنساء اللائي رفعت بعضهن صوراً لقائد الجيش عبدالفتاح السيسي ولوحن بعلامات النصر. وكان لافتاً إصرار الناخبين على المجاهرة بتأييدهم لمشروع الدستور في تحدٍ واضح لجماعة «الإخوان» التي دعت وحلفاؤها إلى مقاطعة الاقتراع. وسُمح للناخبين بالإدلاء بأصواتهم بعد التأكد من هوياتهم وتسجيلها في دفاتر الاقتراع. ولم يخلُ الاقتراع من شكاوى كان محركها الأساس توجيه بعض القضاة للناخبين سواء بنعم أو بلا، إضافة إلى تأخر افتتاح لجان. وأغلقت لجان في قرية ناهيا في محافظة الجيزة لنحو ساعتين إثر اشتباكات بين الشرطة وأنصار «الإخوان» في محيط اللجان، قبل أن يعاود افتتاحها. وحرص كبار المسؤولين على الإدلاء بأصواتهم، وفي مقدمهم الرئيس الموقت عدلي منصور الذي دعا المصريين إلى «الاحتشاد بقوة للتعبير عن تأييد خريطة الطريق ورفض الإرهاب الأسود»، ورئيس الوزراء حازم الببلاوي ورئيس لجنة تعديل الدستور عمرو موسى، فيما تفقد قائد الجيش عبدالفتاح السيسي لجان اقتراع في حي مصر الجديدة، حيث لقي استقبالاً حافلاً من الناخبين، وتعهد «أعلى درجات التأمين»، ما تكرر مع رئيس أركان الجيش الفريق صدقي صبحي الذي زار لجاناً في القاهرةوالجيزة، كما جابت قيادات عسكرية لجاناً في محافظات أخرى. ويحق لنحو 53 مليون ناخب الاقتراع في الاستفتاء. وجرى الاقتراع في أكثر من 30 ألف لجنة تحت إشراف 14 ألف قاضٍ. ويستمر الاستفتاء إلى الساعة التاسعة مساء اليوم، قبل أن تغلق اللجان لبدء عملية الفرز. ولم تستبعد السلطات تمديد الاقتراع يوماً ثالثاً في حال استمر الإقبال الكثيف. ويتوقع أن تعلن النتائج السبت المقبل. وكان الجيش أعلن «خريطة طريق» عقب عزل مرسي تبدأ بالاستفتاء على تعديل الدستور ليتلوها الاستحقاق التشريعي والرئاسي، وسط ترجيحات بتعديل المسار قبل نهاية الشهر لتنطلق الرئاسيات أولاً في آذار (مارس) المقبل. وقال الأمين العامة للجنة القضائية المشرفة على الاستفتاء القاضي مدحت إدريس إن «الاستفتاء يسير بصورة ديموقراطية منتظمة، وتم تذليل عقبات ومشاكل لوجستية بغية تسريع وتيرة عملية الاقتراع وتخفيف زحام الطوابير». وأشار إلى أن «عدداً قليلاً من اللجان تأخر افتتاحها بسبب تأخر وصول القضاة، كما تلقينا بعض الشكاوى المتعلقة ببطء سير عملية الاقتراع في بعض اللجان، وهو ما قررنا معه الدفع بقضاة إضافيين للمعاونة في مواجهة الإقبال الشديد. كما تم تزويد اللجان ذات الإقبال الكثيف بعدد إضافي من الموظفين الإداريين». ونفى استبعاد بعض القضاة من اللجان التي يشرفون عليها. واتخذت السلطات إجراءات أمنية غير مسبوقة تحسباً لوقوع اشتباكات أو اعتداءات. وتسلمت قوات الجيش والشرطة لجان الاقتراع منذ أول من أمس، واقتصر دورها على أعمال تأمين المقترعين وتنظيم الصفوف، ولم يسمح بدخولها مراكز الاقتراع. وشهدت البلاد انتشاراً للجيش والشرطة في الشوارع والميادين الرئيسة وقرب مراكز الاقتراع. وكثفت قوات الجيش وجودها في ميادين التظاهر المحتملة، خصوصاً التحرير ورابعة العدوية والجيزة ونهضة مصر. واستعانت الشرطة في التأمين بالكلاب المدربة على الكشف عن المتفجرات، وظهرت قوات مكافحة المفرقعات بزي وأجهزة جديدة في الشوارع وبعض الميادين الرئيسة. وظهر أن الإجراءات الأمنية المشددة واستنفار الجيش ساعدا في مرور الاقتراع من دون أزمات كبرى تعرقله لا سيما في محافظات الصعيد وسيناء. وقالت غرف عمليات وزارة العدل إنها «تلقت إخطارات تفيد بقيام أنصار جماعة الإخوان المسلمين بمحاولة عرقلة سير عملية الاقتراع في عدد من مقار لجان الاقتراع، وأنهم قاموا بإطلاق أعيرة نارية لإرهاب الناخبين أمام مقرات عدد محدود من اللجان في محافظة الجيزة، كما تظاهروا وسعوا إلى منع المواطنين بالقوة من التصويت في بعض لجان الاقتراع في الإسكندريةوالجيزة والسادس من أكتوبر، وتم إخطار أجهزة الأمن التي تعاملت مع تلك الوقائع ومكنت الناخبين من الإدلاء بأصواتهم». ولوحظ الحضور الكبير من الناخبين في لجان الاقتراع المخصصة للوافدين، لا سيما في محافظتي جنوبسيناءوالسويس، ما دعا اللجنة القضائية المشرفة على الاستفتاء إلى افتتاح لجان إضافية للوافدين (لجنتين في شرم الشيخ ولجنة في السويس) لتمكينهم من الاستفتاء على مشروع الدستور. وفي شمال سيناء، شهدت لجان الاقتراع إقبالاً متوسطاً خلال الساعات الأولى تزايد مع فترات الظهيرة. وجرى الاقتراع هناك وسط إجراءات أمنية مشددة تشمل منطقة عازلة حول لجان الاستفتاء لمسافة 150 متراً في محيط كل لجنة وإغلاق جميع الطرق المؤدية إلى اللجان مع وضع حواجز حديد وتخصيص مداخل للناخبين وسط تكثيف إجراءات التفتيش عند دخول اللجان والاستعانة بنساء لتفتيش المنتقبات متى اقتضت الضرورة تجنباً لحدوث أي أعمال عنف أو هجمات ومنع دخول السيارات إلى محيط اللجان ومنع اقتراب السيارات منها، ما عدا سيارة القاضي المشرف على اللجنة. وتشهد مدن شمال سيناء استنفاراً أمنياً غير عادي، فتزامناً مع الإجراءات الأمنية المشددة في محيط اللجان، تجوب دوريات متحركة مدن المحافظة لرصد الأوضاع الأمنية خلال الاقتراع. في المقابل، قال «تحالف دعم الشرعية» الذي تقوده جماعة «الإخوان» إنه رصد مظاهر «تزوير» في الاستفتاء، بينها «تسويد بطاقات إبداء الرأي، وتصويت جماعي بحافلات، وتقديم الرشاوى الانتخابية». ورأى أن هناك «بوادر مبشرة بسقوط الاستفتاء في الداخل». لكن لم يضمن بيانه أي تفاصيل أو وقائع محددة ل «التزوير». وأشار إلى أن اللجان «تحولت لثكنات عسكرية». واستنكر «انسحاب قوات الانقلاب من أمام بعض الكنائس وانشغالها بغير مهامها».