انطلقت أمس المرحلة الأولى من الاستفتاء على أول دستور لمصر بعد الثورة، في يوم كان تواري الميادين والحشود سمته الأبرز بعدما تصدرت الصناديق المشهد الذي ميزه إقبال كثيف من الناخبين، لكنه لم يخلُ من انتهاكات كان محركها الأساس ضعف مشاركة القضاة في الإشراف على الاقتراع، إضافة إلى ضعف الاستعدادات بسبب الإسراع بطرح مشروع الدستور على الاستفتاء. ولم تشهد عملية الاقتراع مشاكل أمنية، على عكس المتوقع، وإن شهدت خرق حظر الدعاية في محيط اللجان، ووقعت مناوشات على خلفية رفض ناخبين توجيه إسلاميين لآرائهم، واتهمت «جبهة الإنقاذ الوطني» المعارضة جماعة «الإخوان المسلمين» الحاكمة ب «الرغبة في التزوير». وكان ملايين الناخبين توافدوا منذ الساعات الأولى على مراكز الاقتراع في عشر محافظات، للتصويت على مشروع دستور أثار انقساماً حاداً وتسبب في مواجهات عنيفة بين مؤيديه ومعارضيه، ولوحظ إقبال كبير من جانب النساء وكبار السن الذين اصطفوا في طوابير طويلة أمام لجان الاقتراع، وسط توقعات بتجاوز نسبة المشاركة 50 في المئة من إجمالي من لهم الحق في الاقتراع في المرحلة الأولى والبالغ عددهم أكثر من 26 مليوناً. وأمام كثافة الإقبال مددت اللجنة القضائية المشرفة على الاستفتاء فترة التصويت لأربع ساعات. ورُصد إقبال كبير من الطبقات غير المسيسية التي ستلعب دوراً حاسماً في ترجيح كفة مؤيدي الدستور أو معارضيه، لا سيما أن تلك الفئة لا تجاهر برأيها سوى في صناديق الاقتراع. وفي حين اعتبرت قوى التيار الإسلامي التي صاغت مشروع الدستور أن الإقبال المتزايد نجاح لعملية الاقتراع ودعم لخيارها، دعت المعارضة إلى مزيد من الاحتشاد أمام لجان الاقتراع والتصويت بلا. وكان الرئيس محمد مرسي حدد خريطة طريق لما بعد الاستفتاء، ففي حال تمرير مشروع الدستور سيتسلم مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان) السلطة التشريعية ثم تجرى انتخابات برلمانية خلال ثلاثة اشهر، ثم حل مجلس الشورى وإجراء انتخابات جديدة له خلال عام. أما في حال رفض مشروع الدستور فسيتم انتخاب مباشر لجمعية تأسيسية جديدة، يوكل لها وضع دستور جديد خلال ستة أشهر، على أن تعقب إقراره انتخابات تشريعية. وجرت عملية الاقتراع أمس في محافظات القاهرةالإسكندريةوالدقهلية والغربية والشرقية وأسيوط وسوهاج وأسوان وشمال سيناء وجنوب سيناء في 6376 لجنة فرعية، إلى جانب 175 لجنة عامة و30 لجنة على مستوى المحافظات. واتخذت السلطات إجراءات أمنية مشددة، تحسباً لوقوع اشتباكات بين المؤيدين والمعارضين. وتسلمت قوات الجيش والشرطة لجان الاقتراع منذ مساء أول من أمس، فيما رصد انتشار واسع لآليات ومدرعات الجيش في الطرق الرئيسة، ما أعاد إلى الأذهان فترة حكم المجلس العسكري. ويبدو أن الإجراءات الأمنية المشددة لا سيما ظهور الجيش ساعدت على مرور الاستفتاء من دون أزمات كبرى لا سيما في المحافظات التي اشتعلت فيها المواجهات خلال الأيام الماضية وحرصت السلطات على وضعها في المرحلة الأولى. ومرت عملية الاقتراع بسلام في الإسكندرية التي كانت شهدت مواجهات عنيفة بين الموالاة والمعارضة قبل ساعات قليلة من بدء الاقتراع. ولوحظ وجود كبير لأنصار التيار الإسلامي في محافظة الشرقية مسقط رأس الرئيس، وهي كانت ضمن محافظات وقعت فيها مواجهات وصلت إلى منزل مرسي في قرية العدوة، لكن الأمر لم يخل من بعض المناوشات بين معارضين وعناصر من «الإخوان المسلمين» والتيار السلفي وقفوا على جنبات الشوارع لتعريف الناخبين بمقار لجانهم ودعوتهم إلى تأييد الدستور، قبل أن تتدخل قوات الأمن لمنع مواجهات بين الطرفين. ومر الاقتراع من دون عوائق أيضاً في مدينة المحلة العمالية التي كانت شهدت اضطرابات، وإن لم تخل من بعض الشكاوى في شأن الأمور اللوجيستية وتأخر القضاة وهي شكاوى تكررت في كل محافظات المرحلة الأولى. وقال رئيس الوزراء هشام قنديل الذي تفقد مقار عدد من اللجان الانتخابية إن حكومته «حرصت على توفير كل الإمكانات لخروج عملية الاستفتاء بسهولة ويسر وانتظام»، داعياً المصريين إلى «المشاركة بنعم أو بلا من أجل بناء مصر الجديدة التي يجد فيها كل مواطن مصري مكاناً له»، فيما اعتبر وزير الداخلية أحمد جمال الدين إن إجراء الاستفتاء على مرحلتين «أعطى الفرصة لتكثيف وتعزيز خدمات الأمن»، كما اعتبر أن مشاركة قوات الجيش في التأمين «رسالة قوية لطمأنة الشعب المصري حتى يتمكن من النزول والتصويت بحرية مطلقة». وشدد الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي لدى إدلائه بصوته على أن الدستور «يجب أن يرضي جميع أطياف المجتمع المصري وليس فصيلاً بعينه»، في رفض ضمني لمشروع الدستور. كما دعا بطريرك الأقباط البابا تواضروس الثاني خلال إدلائه بصوته المصريين إلى المشاركة الإيجابية، قائلاً: «أشجع جميع المصريين على المشاركة... والأمر متاح أمام كل مصري ليقول رأيه بحرية ومسؤولية ومن دون حجر من أحد». وشابت عملية الاقتراع انتهاكات أبرزها ضعف الإشراف القضائي، في ظل إحجام غالبية القضاة عن الإشراف، ولوحظ حرص ناخبين على الاطلاع على بطاقات هوية القضاة، فيما قالت منظمات حقوقية إنها حررت محاضر تفيد بأن عدداً كبيراً من المشرفين على لجان ليسوا قضاة، كما رصدت إشراف موظفين في النيابات والهيئات القضائية على بعض اللجان، وهو ما نفته في شدة اللجنة القضائية المشرفة على الاستفتاء التي أكدت أن عملية الاقتراع «تخضع لإشراف قضائي كامل». وتأخر فتح مراكز اقتراع في مناطق نائية بسبب تأخر وصول قضاة، وهي مشكلة تكررت في الاستحقاقات السابقة، كما شكا ناخبون ومراقبو المجتمع المدني من تطاير الحبر الفسفوري. وقال «التحالف المصري للمراقبة على الاستفتاء» الذي يضم 123 منظمة مجتمع مدني، إن مراقبيه «رصدوا العديد من الانتهاكات في مقدمها تأخر فتح باب اللجان، وتوزيع رشاوى على المواطنين للتصويت بنعم على الدستور، إضافة إلى أعمال عنف وبلطجة في مدينة المحلة، فضلاً عن الدعاية الانتخابية والتأثير في إرادة الناخبين». واعتبر أن تلك الأمور في مجملها «تحد من نزاهة العملية الانتخابية، وتقوض عملية الديموقراطية المنشودة». وأوضح أنه رصد عدم توقيع الناخبين في الكشوف الانتخابية عقب الإدلاء بأصواتهم في أحدى لجان مدينة نصر شرق القاهرة، إضافة إلى عدم وضع المشرف على الانتخابات في لجنة أخرى في حي حدائق القبة القاهري بطاقات الاستفتاء في الصناديق بعد أخذها من الناخبات. كما لم يتم التأكد من شخصيات ناخبات منتقبات في لجان في القاهرة. وأشار التحالف إلى أن قوات الأمن في محافظة الدقهلية منعت المراقبين الذين يحملون تصاريح واشترطت حصولهم على تصاريح قضائية، كما رصد مراقبو التحالف عدم وجد حبر فسفوري في إحدى لجان مدينة المحلة، إضافة إلى رصد حافلات ركاب تجوب محيط لجان في محافظة الشرقية تدعو بالتصويت بنعم عبر المكبرات، وهو ما تكرر في محافظات عدة. واتهمت «جبهة الإنقاذ الوطني» التي تمثل قوى المعارضة الرئيسة جماعه «الإخوان المسلمين» الحاكمة ب «محاولة تزوير الاقتراع». وأعربت الجبهة عن «بالغ قلقها واستيائها من حجم المخالفات والانتهاكات التي وقعت». ولفتت إلى أن «حجم المخالفات ونوعيتها والوقائع التفصيلية تشير إلى أن وقائع المخالفات منتشرة في كل المحافظات وعبر وسائل متشابهة إلى حد كبير، ما يؤكد رغبة واضحة في تزوير إرادة الناخبين». واتهمت «الإخوان» ب «محاولة تمرير دستور الجماعة». وطالبت كل الهيئات ذات الصلة بالاستفتاء بأن تتحمل كامل مسؤولياتها لضمان نزاهته، مجددة دعوتها الشعب إلى «أن يتوجه إلى مراكز الاقتراع للتصويت بلا ومنع أي محاولة لتزوير إرادته». ونفت اللجنة القضائية المشرفة على الاستفتاء تلقيها شكاوى على مستوى المحافظات العشر. وأكدت أنها «تلقت ما يفيد بأن اللجان تؤدي عملها بنسبة مئة في المئة». غير أن «المجلس القومي لحقوق الإنسان» شبه الرسمي أعلن تلقيه «40 شكوى من 6 محافظات تضمنت بعض الانتهاكات والمخالفات». وأوضح أن «من أبرز المخالفات التي رصدتها غرفة العمليات، التأخر في فتح اللجان الانتخابية، إضافة إلى منع المراقبين من ممارسة مهماتهم، وعدم الاعتراف بتصريح المراقبة الذي يحملونه». وأضاف أنه «تلقى شكاوى من قيام بعض الأشخاص الملتحين بالتأثير في إرادة الناخبين أمام بعض اللجان وحضهم بالتصويت بنعم، فيما قام رئيس لجنة في مدينة المحلة بتوجيه الناخبين للتصويت بلا». وفي حين أكدت اللجنة القضائية المشرفة على الاستفتاء أن «عملية الاقتراع تجري تحت إشراف قضائي كامل»، قال «نادي القضاة» إن غرفة عملياته رصدت «غياب الإشراف القضائي في 26 لجنة انتخابية في محافظات القاهرةوالإسكندريةوالدقهلية والغربية، فضلاً عن عدد آخر من الخروق في العملية الانتخابية». وقال عضو غرفة العمليات القاضي محمد عبدالهادي إن نادي القضاة «تلقى بلاغات متعددة من ناخبين أفادت بغياب القضاة عن 26 لجنة انتخابية، إضافة إلى 80 بلاغاً من عدد من اللجان بوجود خروق تتعلق بالدعاية الانتخابية داخل الحرم الانتخابي للتوجيه بنعم أو بلا». وأشار إلى أنهم تلقوا أيضاً 130 بلاغاً تفيد بعدم ختم الأوراق الانتخابية في غالبية المحافظات التي يجرى فيها الاستفتاء.