يتوقع أن تظهر اليوم مؤشرات أولى لاتجاهات تصويت المصريين على مشروع الدستور الجديد بإعلان نتائج المرحلة الأولى منه، والتي جرت أمس في 10 محافظات، وسط إقبال كثيف وأجواء هادئة وانتهاكات رأتها الموالاة غير مؤثرة، فيما اعتبرها مراقبون تحد من نزاهة الاقتراع ووصفتها المعارضة بأنها «مؤشر على رغبة في التزوير». وتنازع الطرفان تفسير كثافة الحضور التي أجبرت اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات على تمديد فترة الاقتراع أربع ساعات حتى الحادية عشرة ليلاً. وجرى الاستفتاء في محافظات القاهرة والاسكندرية والدقهلية والغربية والشرقية وأسيوط وسوهاج وأسوان وشمال سيناء ووجنوب سيناء، فيما يقترع سكان 15 محافظة أخرى السبت المقبل. وإذا لم تلجأ اللجنة إلى تمديد الاقتراع يوماً إضافياً، يفترض أن يكون القضاة عكفوا طوال ليل السبت - الأحد على فرز بطاقات الاقتراع في اللجان الفرعية في حضور مندوبي منظمات المجتمع المدني وصحافيين، قبل تدوينها في محاضر تسُلم إلى اللجان العامة التي ترسلها بدورها إلى اللجنة القضائية العليا لتجميع نتائج المحافظات العشر، لكنها لن تعلنها رسمياً قبل الانتهاء من استفتاء المرحلة الثانية وستكون للنتائج التي تعلن اليوم في شكل غير رسمي أثر بالغ في توجيه المترددين في محافظات المرحلة الثانية، علماً بأن المرحلة الأولى ضمت القاهرة والإسكندرية، وهما محافظتان تراهن عليهما المعارضة لإسقاط الدستور كونهما حضريتين، فضلاً عن الغربية المعروفة بمعارضتها الشديدة لجماعة «الإخوان المسلمين» خصوصاً في مدينة المحلة الكبرى العمالية. أما الإسلاميون فلديهم نفوذ واسع في بعض محافظات المرحلة الثانية، خصوصاً الجيزة ومرسى مطروح والبحيرة والفيوم. وبدا أن مشاركة الجيش في عملية تأمين لجان الاقتراع حدت من حدوث عمليات عنف، إذ انتشرت مدرعات وآليات عسكرية أمام كل اللجان، كما سيرت القوات المسلحة دوريات متحركة لمراقبة الحال الأمنية في محيط اللجان. وشهد الاقتراع إقبالاً كبيراً في ظل حال من الاحتقان السياسي غير مسبوقة انتقلت من النخبة إلى الشارع، ما عزز من إصرار الناخبين على الاقتراع وصعب من توقع النتائج. ولوحظ أن التيار الإسلامي خصص حافلات لنقل أنصاره للاحتشاد أمام مقار الاقتراع منذ الصباح الباكر لضمان تصويتهم في ظل إجراء العملية في يوم واحد. ورصدت منظمات المجتمع المدني مخالفات متعددة أعلنتها في تقارير متتابعة أثناء الاقتراع، أبرزها الشكوى من خلو لجان عدة من الإشراف القضائي وعدم وجود قاض على كل صندوق، والاعتماد على موظفين في النيابات والمحاكم في مسألة الإشراف، رغم أن القانون يمنع ذلك الأمر. ونفت اللجنة القضائية العليا هذه «الادعاءات»، لكن تقارير متابعة الانتخابات حددت لجاناً اكتشف المقترعون فيها أن المشرفين عليها ليسوا قضاة، بعدما أصروا على الإطلاع على هويتهم، وهو أمر سمحت به اللجنة العليا. غير أن عدداً من المشرفين رفض إبراز هويته ما عطل عملية الاقتراع في لجان عدة. وحرر مواطنون مئات المحاضر ضد مشرفي لجان انتخابية قالوا إنهم ليسوا قضاة. وشهدت عملية الاقتراع مخالفات لوجيستية من قبيل التأخر في فتح اللجان، فضلاً عن عدم توافر الحبر الفسفوري في بعضها، أو زواله من اليد بعد ساعات قليلة، وتضمين الكشوف الانتخابية أسماء متوفين، ومخالفة قواعد منع الدعاية في محيط 200 متر في محيط لجنة الاستفتاء، وعدم السماح بدخول منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام إلى لجان عدة. وتحدثت تقارير حقوقية عن استخدام التيار الإسلامي «الورقة الدوارة» على نطاق ضيق وتوزيع رشاوى انتخابية أمام بعض اللجان النائية، وممارسة عنف ضد المعارضة في بعض اللجان لمنعها من الترويج للاقتراع ب «لا». وقال «التحالف المصري لمراقبة الاستفتاء» الذي يضم 123 منظمة حقوقية إن مراقبيه «رصدوا العديد من الانتهاكات في مقدمها تأخر فتح باب اللجان، وتوزيع رشاوى على المواطنين للتصويت بنعم على الدستور، إضافة إلى أعمال عنف وبلطجة في مدينة المحلة، فضلاً عن الدعاية الانتخابية والتأثير في إرادة الناخبين». واعتبر أن تلك الأمور في مجملها «تحد من نزاهة العملية الانتخابية، وتقوض عملية الديموقراطية المنشودة». واعتبرت «جبهة الانقاذ الوطني» التي تقود المعارضة أن تكرار الانتهاكات بالطريقة نفسها في محافظات عدة دليل على أن جماعة «الإخوان» تسعى إلى «تزوير الاقتراع». وأعربت في بيان عن بالغ قلقها واستيائها من «حجم المخالفات والانتهاكات ونوعيتها (التي) تشير إلى رغبة واضحة في تزوير إرادة الناخبين تقوم بها جماعة الاخوان المسلمين بغرض تمرير دستور الجماعة». وطالبت الهيئات ذات الصلة بالاستفتاء بأن «تتحمل كامل مسؤولياتها لضمان نزاهته»، مجددة دعوتها الشعب إلى «أن يتوجه إلى مراكز الاقتراع للتصويت بلا ومنع أي محاولة لتزوير إرادته». لكن اللجنة المشرفة على الاستفتاء اعتبرت أن «العمل يسير بانتظام والاقتراع يتم تحت إشراف قضائي كامل ولا يواجه أي عوائق». ونفت تلقيها شكاوى على مستوى المحافظات العشر. وأكدت أنها «تلقت ما يفيد بأن اللجان تؤدي عملها بنسبة مئة في المئة». غير أن «المجلس القومي لحقوق الإنسان» الحكومي أعلن تلقيه «40 شكوى من 6 محافظات تضمنت بعض الانتهاكات والمخالفات». وأوضح أن «من أبرز المخالفات التي رصدتها غرفة العمليات، التأخر في فتح اللجان الانتخابية، إضافة إلى منع المراقبين من ممارسة مهماتهم، وعدم الاعتراف بتصريح المراقبة الذي يحملونه». وأضاف أنه «تلقى شكاوى من قيام بعض الأشخاص الملتحين بالتأثير في إرادة الناخبين أمام بعض اللجان وحضهم بالتصويت بنعم، فيما قام رئيس لجنة في مدينة المحلة بتوجيه الناخبين للتصويت بلا». وأكد «نادي القضاة» الذي قاطع الإشراف على الاستفتاء رصد غياب الإشراف القضائي في 26 لجنة انتخابية موزعة على محافظات عدة، فضلاً عن خروقات أخرى. وفي حال وافق المصريون على مشروع الدستور سيتسلم مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان) السلطة التشريعية ثم تجرى انتخابات برلمانية خلال ثلاثة اشهر، على أن يحل مجلس الشورى خلال عام لإعادة انتخابه. أما في حال رفض مشروع الدستور فسيتم انتخاب مباشر لجمعية تأسيسية يوكل لها وضع دستور جديد خلال ستة أشهر، على أن تعقب إقراره انتخابات تشريعية.