مجدداً، ولعلها بجدية أكبر وأكثر صرامة تعود الحملات المرورية لمخالفة من لا يربط حزام الأمان، ومعها إعطاء مخالفة لمستخدمي الهاتف الجوال أثناء قيادة السيارة، والحق يقال إن هناك حملات مكثفة من فريقي الشرطة والمرور نلحظهما في الرياض عبر نقاط تفتيش شبه دائمة رصدت مخالفات كثيرة، وبدا واضحاً عدم وجود محاباة واستثناءات، وهذا أمر حسن، ويسير بنا نحو استخدام الطريق والمركبات في شكل أكثر تحضراً، ينعكس على قناعات الفرد والجماعة بتطبيق القانون على الجميع. يقول الدكتور عبدالرزاق وُورقية المتخصص في الدراسات الإسلامية والمهتم بدراسات التحضر الإنساني: «التمدن معيار محدد للحضارة وهو من منازعها كما عند ابن خلدون وعند الأركيولوجي البريطاني جوردون تشيلد. التمدن ليس هو منطلق الحضارات فحسب، وإنما هو الرمز والنتيجة، فبناء على هذا المعيار نميز بين حضارة ما قبل التمدن، والتي لم تأخذ منحاها الحقيقي إلا بعد ظهور المدن». ومن كلامه فإن تعاملنا مع اتساع المدن مرورياً، ووضعنا الذي نفكر حالياً بتلافيه مستقبلاً، المتمثل في كون السيارة وسيلة النقل الرئيسة وشبه الوحيدة للناس داخل المدن، خلق من بعضنا رموز تخلف ومخالفة للأنظمة، تسير على الطريق وتؤذي غيرها، وتعطي انطباعاً أن التمدن والتحضر الذي يعيشه البعض صوري، يتلخص في الأسمنت والزجاج ولبس الماركات، بينما في دواخلهم هناك نزعة دائماً إلى الوحشية والانفلات واللامبالاة بحياتهم وحياة الآخرين. وأعجبني من كلام الدكتور عبدالرزاق ذي العلاقة بموضوعنا هنا قوله: «إن مصطلح الحضارة يستعمل لأداء معنيين اثنين، أحدهما نظري يتوجه إلى القيم والمبادئ والمعتقدات والأفكار التي تحدد نمط تلك الحضارة، وتصبح هذه القيم ميزتها الأساسية، وثانيهما معنى عملي، ويقصد به نمط الحياة التي يحياها الفرد والمجتمع»، ولا شك في أن الشوارع التي نقضي فيها جزءاً كبيراً من يومنا هي صورة لنمط الحياة التي يحياها الناس، ولا أرى بأساً في إجبارهم عبر المخالفات المرورية المغلظة على اتباع النظام، الذي سيتحول مع الوقت إلى سلوك يومي اعتيادي، وكأن الأمر في شأن المرور سيكون إجباراً على التحضر. قرأت مرة أن كلمة «Traffic» الإنكليزية التي تستخدم للإشارة إلى الزحام، مشتقة من كلمة «ترافَقَ» العربية التي تعني السير قُدُماً معاً، ونحن نشترك في هذه الشوارع معاً، ولا بد من ضابط قوي ينظم علاقتنا ببعضنا، وعلاقتنا بالشارع والممتلكات ومن قبل بأرواح الناس. وهذه الإجراءات وهي تهدف إلى حفظ حياة الناس، أتمنى ونحن في موسم الرحلات البرية الذي سيصل إلى ذروته مع الربيع، أن تنفذ «المرور» والجهات الأمنية حملة على الدراجات النارية الصحراوية، التي عاث مؤجروها في البر فساداً، وخسرنا بسببها أرواح كثير من شبابنا، أو حصلت بسببها إعاقات كثيرة، فهم بلا ضوابط أمنية أو مرورية، وليست لديهم أي إجراءات وقائية للراكب أو المستأجر من لبس القبعات الحامية «الخوذة»، أو لبس ما يحمي الأجزاء المفصلية من الجسم. نعلم أن كل شيء بقدر، لكن الله القدير العليم أمرنا بالأخذ بالأسباب، وما تفعله «المرور» في حملتها، وما أتمنى أن تفعله في «الدبابات» نوع من الأخذ بالأسباب. [email protected] mohamdalyami@