في صيغة مطلسمة نشرت جريدتنا هذه خبرا يبدأ بكلمة (كشف). فحوى الخبر (أن مدير السلامة المرورية أفاد بالرفع لمقام وزارة الداخلية خططا واستراتيجيات للجمعيات الأهلية المرورية). بعد هذا لا يفيدك الخبر بأي شيء حتى لو كنت ضليعا في الفلسفة الكلاسيكية الألمانية. قبل حوالي أربعين سنة ظهرت كلمتا فن وذوق مرتبطتان معا، واستمرتا متآخيتين حتى وقت قريب. كنت اعرف كلمة فن ولكني لم أكن أعرف كلمة ذوق بصورتها الاتيكيتية . كلمة ذوق بدأت في ثقافتي بالمطبخ، عندما كانت أمي تتذوق مرقة الكبسة لتتأكد من الملح. استمرت كلمة ذوق فترة طويلة حبيسة المطبخ إلى أن شاهدت أول خرقة يدلدلها قلم المرور في شوارع الرياض كتب عليها السياقة فن وذوق. كانت تلك الخرق تظهر سنويا في مهرجان يطلق عليه أسبوع المرور. لم يحدث أي تطور بعد ذلك في مسألة (فن وذوق السواقة) ولكن أسبوع المرور تطور إلى أسبوع المرور الخليجي. بعد فترة طويلة من بداية خرق المرور المدلدلة في الشوارع انتشرت كلمة ذوق على السنة الناس. صرت تسمع من يقول ( يا أخي خل عندك ذوق) أو (هذاك لا يهمك ما عنده ذوق)، (وقلة ذوق) وهكذا امتدت الكلمة لتصبح جزءا من المفردات الأساسية للأمة. لا أعرف من اخترعها بهذه الدلالة: العرب الأوائل أم قلم المرور. كلمة الذوق تتصل باللطف وحسن التصرف والتمدن والميل إلى احترام الآخرين والتنظيم . ستجد لهذه المواصفات الحضارية تطبيقات في كل مكان في الرياض عدا الشوارع والسكك المحيطة بمراكز المرور في الرياض. الفوضى المرورية في الشوارع المحيطة بمراكز المرور تكاد تنافس بل وتتفوق في بعضها على الفوضى المرورية المحيطة بجوازات الرياض على طريق الملك فهد. لا أتوسل من تحليلي وتتبعي لكلمة ذوق أن أحل مشكلة الفوضى المرورية حول مراكز المرور ولكني أحاول مقاربة التصريح الفلسفي المذكور أعلاه. ما علاقة الجمعيات الأهلية بالمرور؟ ما الذي يمكن أن تقدمه الجمعيات الأهلية للشوارع؟ هل ستكون هذه الجمعيات الجانب البشري من ساهر. اختفاء رجل المرور من الشوارع وتنازله عن مهامه لساهر قد يكون السبب في استدعاء فكرة مشاركة الجمعيات الأهلية. لعلنا نحضر ذلك اليوم الذي نشاهد فيه المتطوعين وفاعلي الخير والكشافة والشباب الفاضي يقومون بتنظيم المرور ومطاردة المخالفين أو على الأقل إظهار شيء من الهيبة لنظام المرور في الشوارع أو ربما العمل على إعادة طباعة الخرق المكتوب عليها (السياقة فن وذوق) وفردها في الشوارع لربما يفهم الجيل الجديد كلمة ذوق بشكل أفضل من أمهاتنا في المطبخ ومن الرجال في الشوارع. أتمنى من الإخوة في الجمعيات المنتمية تولي مهام المرور وتطوير الذوق التبرع بجهاز فحص النظر لفحص نظر المتقدمين للرخص في مركز المرور بشمال الرياض. أنبه إخواني في الجمعيات أن ابني محمد استخرج أول رخصة سياقة في حياته بدون فحص نظر..