أظلّ على طرقات الرياض، فقد أصبحت معظم أوقاتنا الحرة عليها، وأتأمل وإياكم يومياً في مناظر كسر النظام، النظام المروري، ونظام السلامة، والنظام الأخلاقي العام، فقد زاد الزحام من مخالفات غبية واضحة، والمشكلة الأعمق أنه زاد من تقبّل الناس لها، ومساحات تغاضي المرور الذي يغطي معظم الطرق الرئيسة بالكاميرات مدعوماً بكاميرات «ساهر». أصبح مألوفاً أن يقفز سائق متعجرف الرصيف الفاصل بين الطريق الرئيس وطريق الخدمة، لأنه لا يريد انتظار دوره في المرور، والقفز يتم بالعكس أيضاً، ومثل ذلك الخروج من منافذ الدخول، والدخول من منافذ الخروج، يعرّض نفسه للخطر، ويعرّض الآخرين للهلاك، ويدمّر الأرصفة التي هي ممتلكاتنا جميعاً، ويشوّه النباتات إن وجدت، وقبل ذلك وبعده، يشوّه صورة احترام النظام والقانون في أعيننا جميعاً، ومن بينها أعين أشقاء وأصدقاء يقيمون بيننا ويكوّنون انطباعاتهم عنا، ويصنعون صورتنا الذهنية التي بناء عليها سيتعاملون معنا، ومن بينها أعين الأطفال والمراهقين الذين يباغتونك بأسئلة حائرة هل يعجبون بهذه العنتريات، أم يشعرون بالخوف لغياب الشرطي الذي نسعى لتصويره لهم على أنه «ضابط» إيقاع الشارع أمنياً ومرورياً. إحدى مشكلاتنا المزمنة هي الاستسلام لواقع الحال، فشماعة الازدحام، على أنه بحد ذاته يخبر عن تأخرنا في ثقافة النقل، وثقافة المدن الكبرى، هذه الشماعة باتت مسبباً يكاد يكون مقبولاً لإهمال سلامة الناس على الطرقات، وإهمال الحفاظ على الممتلكات العامة، وهي جرائم صغيرة، أحسّ بأن «تطنيشها» ينمي حس مخالفة القانون، وكأن السرقة الصغيرة التي تكبر مع الأيام، وهي أضحت عذراً مقبولاً لتأخير مصالح الناس، والتأخر على المواعيد، خصوصاً إذا أضيفت إليها ندرة المواقف في معظم المواقع الخدمية والتجارية، وهي أخيراً باتت طريقاً للهرب من غضب العائلة إذا تأخر أحد أفرادها عمداً، ويشمل ذلك - للعلم والإحاطة - السادة الأزواج. إذا كان المخطط للنقل والمنفّذ له لم يستطيعا قراءة النمو السكاني، ولم يكن التنسيق مع جهات أخرى مفترضة دقيقاً، أو موجوداً من الأساس، فهذا منحى تأخر تنموي واضح، لكن استجابة المجتمع للمشكلة، عبر مؤسساته المسؤولة وعلى رأسها المرور، أو عبر أفراده، أوضحت أيضاً نوعاً من تخلّف التفكير، وعدم وجود أخلاقيات وسلوكيات إنسانية تحكم التعامل مع الآخرين على الطرقات المزدحمة. كل يوم يزداد الوقت الذي نبقى فيه على الطريق، وبدلاً من أن تكون العشرة سبباً للصداقة، خلق معظمنا عداوة معه، ومع التحضر. [email protected] @mohamdalyami