أصبحت قضية النواب العراقيين الذين يحملون الجنسية الدنماركية الشغل الشاغل للإعلام والرأي العام الدنماركيين وتصدرت عناوين الصحف ونشرات الأخبار ووصل الأمر إلى البرلمان الدنماركي الذي قرر فتح تحقيق بالأمر. وبدأت القضية حين كشفت صحيفة «إكسترا بلادت»، قبل ما يقارب الشهر، عن أسماء ثلاثة من النواب الأكراد في العراق الذين يحملون الجنسية الدنماركية وكانوا أحيلوا إلى التقاعد في الدنمارك لتأكيدهم أنهم مصابون بأمراض عصبية ونفسية حادة بحسب التقارير الطبية التي حصلوا عليها بطرق غامضة. وقد أكدت التقارير التي نشرتها الصحيفة بعد التحقيقات التي أجراها مراسلوها في العراق، تقاضي هؤلاء المسؤولين رواتب شهرية ضخمة في كردستان إضافة إلى إمتيازات متنوعة أخرى وهم يعيشون حياة مترفة ولا يعانون من أي أمراض جسدية أو نفسية. وفي الحال أثير الموضوع في أجهزة الإعلام الدنماركية، المرئية والمسموعة والمقروءة، وقدمت بلدية مدينة أوغس (ثاني اكبر المدن في الدنمارك) بلاغاً للشرطة ضد برلماني كردي هو طلعت سيف الدين الذي يحمل صفة لاجئ في الدنمارك والذي يحصل على راتب التقاعد المبكر لأسباب مرضية من الرعاية الاجتماعية في الدنمارك باعتباره غير قادر على العمل، ولكنه في الوقت نفسه عضو في برلمان كردستان العراق ويتقاضى راتباً هناك. ويعتبر هذا السلوك تحايلاً على القانون الدنماركي بحسب المسؤولين في الدنمارك. كما أن بلدية آلبرتسلوند التي يقيم فيها النائب في البرلمان الكردستاني يالن محمود في طريقها إلى تقديم بلاغ للشرطة ضده لكونه يتقاضى راتب التقاعد المبكر من الرعاية الاجتماعية لغير القادرين على العمل في الوقت نفسه الذي يتقاضى فيه راتباً ومخصصات كبيرة عن عضويته في برلمان كردستان العراق منذ 5 سنوات وهو يعيش في أربيل وحوله العديد من أفراد الحماية والمساعدين. وتقول الصحيفة إن المذكور يجب أن يدفع الضريبة المقرة قانوناً في الدنمارك لمصلحة الضرائب الدنماركية عن كل ما يكسبه من دخل. وبحسب الصحيفة فإن هناك عدداً آخر من المسوؤلين العراقيين الذين يتمتعون بالجنسية الدنماركية، أي أنهم مواطنون دنماركيون، ممن يتحايلون على قانون الرعاية الاجتماعية الدنماركي ومن بينهم أعضاء في البرلمان العراقي في بغداد ومسؤولون كبار ووكلاء وزارات. وسامية عزيز محمد واحدة من هؤلاء وهي كانت نالت جائزة الحرية لحزب اليسار الحاكم عام 2005 واليوم تتهم «بالتهرب من دفع الضرائب» إذ تتقاضى راتباً في العراق في حين تحصل على راتبها التقاعدي من الحكومة الدنماركية. ولم يكتف الإعلام الدنماركي بالنواب الثلاثة إذ حاول الصحافيون لقاء المتقاعد فؤاد جلبي الذي يحمل رتبة عقيد في العراق ويعيش حالياً في الدنمارك لكنه رفض الإجابة عن أسئلتهم. وبعد محاولات عديدة للإتصال به عبر الهاتف تهرب فؤاد جلبي من لقاء الصحافيين متذرعاً بأنه مصاب بارتفاع ضغط الدم. وعندما سئل عن آخر مرة زار فيها العراق قال لا أعلم. وفي الجانب الآخر، أي في كردستان العراق، التقى مراسلو التلفزيون الدنماركي السيدة بريفان سرهنك، زوجة فؤاد جلبي، التي انتخبت نائباً في الشهر الماضي والتي تتقاضى بدورها راتباً من المعونات الاجتماعية بحجة أنها مريضة بينما كانت تقود الحملة الانتخابية في العراق. وحينما سئلت عما إذا كان زوجها يتقاضى أي راتب في العراق أجابت بالنفي أولاً ثم قالت لا علم لي. لكن التلفزيون الدنماركي التقى الوزير الكردي شيخ جعفر شيخ مصطفى الذي أكد أن فؤاد يعمل في وزارة الدفاع العراقية ويتقاضى راتباً شهرياً كباقي المسؤولين بما يتناسب ومكانتهم ووظائفهم. ثم تفجرت قضية الشيخ المعمم علي حسين العلاق عضو الائتلاف في البرلمان العراقي والمقرب من حسين الشهرستاني وزير النفط. وقضية هذا الشيخ أنه لم يقدم كشفاً بحسابات الرواتب التي يتقاضاها خارج الدنمارك باعتباره يحمل الجنسية الدنماركية وبذلك فهو مقبل على محاكمة بتهمة التهرب من دفع الضريبة والتهرب من قوانين الدنمارك حيث ما زالت الدولة تدفع ايجار الشقة المسجلة باسمه على أساس أنه عاجز عن العمل وتحت خط الفقر. وكتبت صحيفة إكسترا بلاديت في صفحتها الرئيسية أن السفارة العراقية في الدنمارك تشارك في حجب المعلومات من خلال عراقيين دنماركين يعملون في السفارة. وجاء هذا الإتهام بعدما حصلت الصحيفة على قائمة بالموظفين في السفارة ونوع وظيفتهم والمبالغ التي يتقاضونها. وأشارت الصحيفة إلى أن هؤلاء يحصلون على معونات إجتماعية وبعضهم متقاعد. وقد عرضت الصحيفة صورهم وعناوينهم والمبالغ التي يتقاضونها من السلطات الدنماركية. والتقت مراسلة الصحيفة القائم بأعمال السفارة فارس شاكر فتوحي وسألته عن هذا الأمر فأجاب بأن هؤلاء الموظفين بعضهم يعمل بدوام كامل وبعضهم بدوام نصف كامل. وراقب الصحافيون السفارة لمدة 3 اسابيع ولاحظوا أن مجموع الموظفين في السفارة ما بين 10 - 12 يعملون بوظائف مختلفة «وثمانية منهم على الأقل لا يدفعون الضرائب ويقومون بالغش الاجتماعي والسفارة لا تدفع ضريبة كما تنص على ذلك القواعد الخارجية». وصرح القائم بأعمال السفارة بأن ليس من واجب السفارة إبلاغ مصلحة الضرائب عن موظفيها وأن هذا الأمر يعود إلى الموظفين أنفسهم. أما ما يخص ضريبة السفارة فإنه يقر بأنه لم يعرف بهذا الأمر من قبل. وقد أبدى سياسيون دنماركيون امتعاضهم من الامر وقال عضو «الحزب الاشتراكي الديموقراطي» إنه لا يتذكر أن شيئاً مثل هذا حدث في الدنمارك من قبل. وأشار وزير الضرائب الدنماركي الى أنه عرف بهذا الموضوع قبل أسبوع وأنه طلب تدخل وزارة الخارجية الدنماركية لكي يحصل على توضيح من وزارة الخارجية العراقية. وطالب أعضاء في البرلمان الدنماركي بفتح تحقيق بالموضوع والتدقيق في معاملات جميع العراقيين الذين يتقاضون معونات اجتماعية. ويعد التهرب من دفع الضريبة من أكبر الجرائم في الدنمارك ويواجه كل من يفعل ذلك أو يتحايل على القوانين عقوبات صارمة تصل إلى السجن سنوات طويلة إضافة إلى الغرامات المالية الكبيرة ومصادرة الأموال. وتعتبر الدنمارك واحدة من أكثر الدول رفاهية وتعتمد على الضرائب في تمويل الخدمات التي تقدمها للمواطنين من علاج وتعليم مجاني إضافة إلى النظام الاجتماعي الذي يوفر حياة كريمة لكل مواطن بغض النظر عما إذا كان عاطلاً من العمل أو عاجزاً عنه. وفي حال إثبات التهم الموجهة إلى النواب العراقيين الذين تم الكشف عن أسمائهم فسيطلب منهم الحضور وسيحالون إلى المحاكم الدنماركية المختصة. ولا يتمتع أي مواطن دنماركي بحصانة عدا العائلة المالكة وقد يضطر هؤلاء إلى الامتناع عن دخول الدنمارك وربما ستتطور القضية لتتحول إلى خلاف بين الدنمارك والعراق ويستبعد حل الأزمة من خلال صفقة سياسية، إذ يمكن أن تكلف الائتلاف الحاكم في الدنمارك الغالبية في البرلمان إذا ما سحب حزب الشعب الدنماركي المعادي للأجانب دعمه للائتلاف.