شكّل الارتفاع المتواصل في مؤشر أسعار الإيجارات للقطاعات السكنية والاستثمارية والتجارية خلال العام الحالي في دول الخليج، مفاجأة للمهتمين بالقطاع العقاري والمتابعين له، على مستوى طبيعة الارتفاع ونسبه والمواقع التي شملها وأسبابه. ولاحظت شركة «المزايا القابضة» في تقرير أسبوعي، أن «الارتفاعات المسجلة أحدثت ردود فعل متباينة بين القبول ومحاولة التأقلم معها، وبين البحث عن بدائل أقل كلفة». وأكدت استناداً إلى المؤشرات الاقتصادية والنشاط التجاري والسياحي والمشاريع النوعية الضخمة قيد التنفيذ، أن مؤشر الأسعار «لم يصل إلى قمته الجديدة بعد وما نسب الارتفاع المسجلة إلاّ البداية». وتوقعت أن «تشهد الأشهر المقبلة ارتفاعات أخرى لها دوافعها وأسبابها، بعيداً من الخوض في صحتها وتأثيراتها الإيجابية والسلبية على معدلات التضخم ومؤشر غلاء المعيشة». فيما رأت أن التحدي الأكبر «يبقى في إدارة التضخم والسيطرة عليه وإبقائه ضمن معدلاته الطبيعية». ولم يستبعد التقرير أن «تكون البداية هذه المرة من دبي»، لافتاً إلى مؤشرات أولية تظهر «اتجاه القطاع العقاري الإماراتي نحو مستوياته المسجلة عام 2008، ما يحمل أخطاراً كبيرة إذا اقترن الارتفاع في أسعار الإيجارات بزيادة موازية في مداخيل الأفراد ومستوى المعيشة، وفرض ضوابط قانونية تنظّم آليات الزيادة». ورصد اتساع حمى الارتفاعات «لتشمل كل دول المنطقة إذ شهدت السوق العقارية الكويتية ارتفاعات قياسية خلال هذه السنة، وتشير البيانات إلى أن نسبتها تجاوزت 50 في المئة. وتشهد السوق العقارية ارتفاعاً ملموساً لوتيرة الصفقات على مستوى الأحجام ونسب ارتفاع الأسعار، متخطية كل التوقعات المسبقة، الإيجابي منها والسلبي». وعزا متخصصون بالسوق الكويتية أسباب الارتفاع إلى «انفراد القطاع الكويتي بمزايا لا تتمتع بها القطاعات الاستثمارية الأخرى المتوافرة على مستوى الإيرادات والأخطار المصاحبة للاستثمار الداخلي والخارجي، إذ أثبت القطاع العقاري أنه الملاذ الأكثر أمناً على مستوى الفرص والمجالات الاستثمارية المتاحة في الاقتصاد الكويتي». وتُعتبر الأسعار السائدة في السوق العقارية الكويتية «الأعلى منذ العام 2008». وفي السوق العقارية القطرية، لفت تقرير «المزايا» إلى أن مؤشر أسعار العقارات الصادر عن البنك المركزي القطري نهاية الربع الثالث من العام الحالي، «عكس ارتفاعه 30 نقطة عن مستواه في الفترة ذاتها من عام 2012». وأوضح التقرير أن ارتفاع أسعار الأراضي وتراجع المعروض من الأراضي المخصصة لبناء العقارات السكنية والتجارية وارتفاع معدلات الطلب عليها، أدت إلى الزيادة في الإيجارات نتيجة ارتفاع الطلب على الوحدات السكنية والمكاتب بسبب تزايد أعداد الوافدين والشركات الراغبة في مزاولة أعمالها في قطر». وأشار إلى التوقعات الصادرة عن «بنك قطر الوطني» والمتعلقة بمعدلات التضخم لهذه السنة والعام المقبل، مرجحاً أن «يبقى التضخم في دول مجلس التعاون تحت السيطرة على مستوى 2.5 في المئة نتيجة انخفاض أسعار المواد الغذائية عالمياً»، متوقعاً أن «يرتفع معدل التضخم العام المقبل ليسجل 3 في المئة بفعل استمرار الارتفاع في أسعار الإيجارات واستقرار أسعار المواد الغذائية على المستوى العالمي». ولم يغفل أن استقرار أسعار النفط والغاز وأسعار المواد الغذائية، «سيساهم في السيطرة على الضغوط التضخمية». وأوضح أن «تكاليف السكن تستحوذ على 27 في المئة من سلة أسعار السلع والخدمات في دول مجلس التعاون، والمواد الغذائية على نسبة 20 في المئة، ويزداد تأثيرها على معدلات التضخم نتيجة استمرار تقلبها وفق الظروف السائدة». وأشار التقرير إلى أن حصة الإيجار الخاص بالسكن «تتزايد في دول مجلس التعاون الخليجي من معدل التضخم الإجمالي المسجل بين عام 2012 وهذه السنة، إذ ارتفع في المملكة العربية السعودية بنسبة 3.7 في المئة في تموز (يوليو) الماضي، مقارنة بالمعدل المسجل في الفترة ذاتها من عام 2012. وسجل التضخم في البحرين 3.6 في المئة، وفي قطر 3.1، وفي الكويت 2.9، وسلطنة عمان 1.5 في المئة. فيما سجل التضخم في الإمارات أدنى مستوى بالغاً 1.3 في المئة في تموز. واعتبر أن الارتفاعات النسبية على بنود السكن وتلك المتصلة بها تعكس «بداية تجدد الضغوط التضخمية في الأسواق الخليجية وتحديداً مع بداية النصف الثاني من السنة». وأكد التقرير أن قدرة الدول على ضبط معدلات التضخم ومتابعتها «ستنعكس إيجاباً على الاستقرار الاقتصادي وسلامة المراكز المالية للدول وقدرتها التنافسية على مستوى العالم، في حين سيكون لانخفاض معدلات التضخم تأثيرات إيجابية على القطاع العقاري، كونه يبدد المخاوف الخاصة بالدخول في فقاعة أسعار جديدة، ومن شأنه خفض تكاليف المعيشة وتشجيع الاستثمار وزيادة معدلات التمويل والإقراض». وشدد على وجود «اهتمام كبير من الجهات المختصة في دول مجلس التعاون، بمتابعة مؤشر أسعار الإيجارات ومراقبة ارتفاعها بين فترة وأخرى. في حين تعمل دول المنطقة على وضع الأطر القانونية المناسبة لضبط السوق والحؤول دون تسجيل انحرافات خطرة على مؤشرات النمو ومعدلات التضخم». وحذر التقرير من «الفشل في ضبط سوق الإيجارات واستمرار الارتفاعات العشوائية غير المبررة في الفترة المقبلة التي يقودها المالكون ومكاتب السمسرة، وهي تجد ضالتها في ظروف الفوضى والعشوائية لتنمو على حساب مؤشرات النمو الحقيقية وحال التجانس في العلاقة بين المستأجرين والمالكين في السنوات الخمس الأخيرة».