اُعلن رسمياً عن تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في سورية في 3 شباط (فبراير) 1945 مع تسجيلها في وزارة الداخلية ومن ثم صدور كراس «أهدافنا ومبادئنا». كان التأسيس حصيلة تخمرات أخذت شكل جمعيات اسلامية في محافظات عدة لعقد من الزمن. كانت نقاط التمركز وفق توزع المندوبين في المؤتمر الذي عقد في يبرود في أيلول (سبتمبر) 1946 والذي أخذ شكل المؤتمر التأسيسي، تمتد بين ريف دمشق (برزة - داريا - التل - منين - زملكا - يبرود - النبك) ومدن حلب واللاذقية ودير الزور وبلدات في الساحل مثل الحفة وبانياس، مع وجود شخصيات من مدن دمشق وحمص وحماة. كانت الشخصيات القيادية تتوزع بين حمص (الشيخ مصطفى السباعي – خريج الأزهر- تولى منصب المراقب العام) وحماة (الشيخان محمود الشقفة ومحمد الحامد) وحلب (عمر بهاء الأميري - من عائلة وجيهة تقليدية في حلب كانت لها وقفيات وكان والده عضواً في مجلس النواب العثماني «المبعوثان» وهو خريج آداب في السوربون). كان هذا الثلاثي: أزهري وشيوخ تقليديون وخريج جامعة فرنسية ولكن من عائلة تقليدية غنية، يعكس قلق بنية اجتماعية قديمة، مع أفراد في مؤسسة دينية أصبحت مكانتها قلقة في فترة ما بعد العثمانيين، من التحولات الاجتماعية ومن موجات الحداثة الفكرية الغربية. في اللاذقية، كان هناك أفراد اخوانيون في فترة التأسيس ينتمون الى عائلات تقليدية ليست غنية ولكن متوسطة ومن أحياء شعبية ولكنها متعلمة ومن خريجي جامعات أو معاهد، وهو حال دير الزور أيضاً. في دمشق كان الثقل الريفي أكبر، ولكنه ريف متطور زراعياً وحرفياً، مع وجود اخواني في حي تقليدي مثل حي الميدان، إضافة إلى شخصيات اخوانية من عائلات تقليدية أصبحت قيادية لاحقاً (عصام العطار - زهير شاويش) أو قريبة من التنظيم (الدكتور محمد المبارك - أكاديمي – من عائلة تقليدية تمت بصلة قرابة الى الأمير عبدالقادر الجزائري الذي توطن في دمشق منذ خمسينات القرن التاسع عشر). كان الشيخ السباعي جسراً محلياً بين التنظيم الاخواني المصري الأم والتنظيم السوري، وكانت العملية التأسيسية تحت إشراف مباشر من الشيخ حسن البنا. مع هذا كانت هناك تمايزات سورية اخوانية عن مصر: انفتاح أكبر على الفكرة العروبية، وعلى المكونات الاجتماعية (في انتخابات 1949 و 1962 كانت القوائم الاخوانية تضم مرشحين مسيحيين)، ووسطية سياسية برزت في الخمسينات بين معسكري اليسار البعثي - الشيوعي واليمين، الموالي للغرب ولبغداد صاحبة مشروع «الهلال الخصيب»، الذي ضم أطيافاً متنوعة امتدت من «حزب الشعب» الحلبي إلى القوميين السوريين. على رغم تولي الشيخ السباعي (ومن بعده عصام العطار) في صيف 1957 منصب رئيس المكتب التنفيذي للتنظيم العام للإخوان المسلمين، في ظرف ما بعد ضرب القيادة المصرية للتنظيم في 1954، إلا أن السباعي كان متعاوناً مع عبدالناصر ومؤيداً لعملية الوحدة المصرية - السورية. وفي عام 1959 كتب «اشتراكية الاسلام» الذي كان تسويغاً فكرياً – اسلامياً للاصلاح الزراعي (أيلول 1958)، الذي عارضه الكثير من أبناء العائلات التقليدية والمشايخ، وفي فترة ما بعد انقلاب الانفصال يوم 28 أيلول1961 رفض (الاخوان) التوقيع على وثيقة الانفصال. مع مرض السباعي، وتولي العطار القيادة في فترة الانفصال وما بعدها، حصلت تحولات اخوانية: انزاح (الاخوان) أكثر نحو اليمين التقليدي في حزب الشعب والحزب الوطني ضد اليسار الناصري - البعثي، وفي الوقت نفسه أبرز كتاب الشيخ الحموي محمد الحامد في الرد على كتاب الشيخ السباعي معالم تشدد اخواني جديد ضد اعتدالية أو انفتاح السباعي حمله بعده تلاميذ حمويون للشيخ الحامد، من أمثال مروان حديد وسعيد حوى، اللذين قادا «عصيان حماة» ضد سلطة حزب البعث في نيسان (أبريل) 1964. كان التشدد الاخواني سمة حموية في فترة سلطة البعث، وقاد حديد انشقاق مركز حماة في فترة 1969 - 1975 حتى تأسيسه في بداية عام 1975 «تنظيم الطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين» قبيل اعتقاله في 30 حزيران 1975 وموته إثر إضراب عن الطعام في آب (أغسطس) 1976 انشقاق حصل انشقاق (الاخوان) بين مركزي حلب ودمشق بسبب الشيخ مروان حديد ومجموعة من الحمويين ذهبوا للتدرب على السلاح في معسكرات منظمة فتح في الأردن عام 1969. وعندما بايعت القيادة المصرية التنظيم الاخواني العالمي توحيد (التنظيم العام للاخوان المسلمين في سورية) في صيف 1975، فإن هذا كان بمعزل عن الشيخ مروان حديد وتنظيمه وبمعزل أيضاً عن الجناح الدمشقي برئاسة العطار، وكانت هذه القيادة الاخوانية الجديدة المعترف بها من القاهرة حموية (عدنان سعد الدين) وحلبية (عبدالفتاح أبوغدة - علي البيانوني) مع ثقل تنظيمي في مدينتي حماة وحلب وفي بلدات محافظة ادلب من دون مدينة ادلب وأيضاً في مدينة اللاذقية. عكست اللوحة العامة لتنظيم الاخوان السوري في السبعينات ملامح جديدة: ضعف الاعتدال وتغلب التطرف، وكان العطار وجناحه الأضعف في السبعينات، فيما كان (التنظيم العام) متشدداً فكرياً أكثر من التنظيم المصري وقتها، وأقرب إلى أفكار سيد قطب من قربه الى أفكار البنا وحسن الهضيبي وعمر التلمساني، وإن كان قد نأى بنفسه بعيداً من «تنظيم الطليعة» الذي بدأ في موجة اغتيالات منذ اغتيال الرائد محمد غرة رئيس فرع الأمن العسكري في حماة في شهر شباط 1976. عندما انفجرت المعارضة الإخوانية المسلحة منذ 16 حزيران 1979 عبر مجزرة مدرسة المدفعية في حلب التي قام بها تنظيم مروان حديد ثم انجر إليها (التنظيم العام) وحمل السلاح من بعدهما العطار، مع توحد الأجنحة الاخوانية الثلاثة في تنظيم واحد في الشهر الأخير من عام 1980، فإن الجسم الاجتماعي الأساسي للحركة الاخوانية في أحداث حزيران 1979 - شباط 1982 حتى هزيمة الحركة الاخوانية المسلحة في حماة، كان أساساً جسماً مدينياً حموياً - حلبياً مع بلدات ادلبية، وسكون مديني دمشقي وحمصي وفي الأرياف في حوران وريفي دمشق وحلب حيث كان المناخ العام أقرب إلى تأييد السلطة ضد الحركة الاخوانية المسلحة. في فترة شباط 1982 - 18 آذار 2011 كان التنظيم الاخواني السوري فعلياً تنظيماً خارج الحدود: في 11 آذار 1982 دخلوا في تحالفات جبهوية مع تنظيم بعث العراق في «التحالف الوطني» بعدما كانوا يرفضون ضغوط القيادة العراقية منذ صيف 1980، كما أخذوا في فترة قوتهم موقفاً عدائياً من الحركة الديموقراطية المعارضة في فترة ما بعد البيان الأول ل «التجمع الوطني الديموقراطي» في 18 آذار 1980. انقسموا إلى تنظيمين بين 1986 و 1996 دارا في مدارين مختلفين بين الرياض وبغداد، كان الأول أكثر اعتدالاً ومال للدخول في محادثات في ألمانيا عام 1987 مع السلطة، فيما كان الثاني ذو الامتداد الحموي – الادلبي، أكثر تشدداً وخالف التنظيم الأول، الحلبي الامتداد، في تأييد العراق أثناء غزو الكويت عام 1990. وعندما توحّدا من جديد عام 1996 بقيادة علي البيانوني وفي ظل ضعف بغداد كان الاعتدال والبحث عن تسوية مع السلطة سمتين رئيسيتين في سياسة البيانوني وهو ما وصل في كانون الثاني 2009 الى حد اعلان تجميد معارضة الاخوان المسلمين للسلطة السورية، ولو كان هذا بعد تشدد طارئ وعارض في سياسة البيانوني مع «أزمة الحريري» تجسدت في دخوله في «اعلان دمشق» (تشرين أول) 2005 وفي «جبهة الانقاذ» في حزيران 2006 مع نائب الرئيس المنشق عبدالحليم خدام. في آب 2010 حصل انقلاب حموي في قيادة الاخوان السوريين من خلال تمخض اجتماع مجلس شورى الجماعة عن ثلاثة حمويين في المراكز الرئيسة الثلاثة: رياض الشقفة مراقب عام، نائبه فاروق طيفور، ورئيس مجلس الشورى محمد حاتم الطبشي. كانوا أكثر تشدداً من الفريق الحلبي حول البيانوني. عندما نشبت الأزمة السورية في درعا في 18 آذار2011 لم يستطع تنظيم الاخوان أن يتجاوز حضوره الخارجي، وقد أتى وزنه في «المجلس الوطني» (2 تشرين أول2011-11 تشرين ثاني 2012) من أنقرة والدوحة وليس من قوته في الداخل السوري. وظهر ان السلفيين كانوا أقوى من الاخوانيين في 2011 - 2013 بعكس 1979 - 1982 وهو ما ينبع أساساً من أن الحراك السوري المعارض الأخير كان حراكاً ريفياً وليس مدينياً من حيث الجسم الاجتماعي. * كاتب سوري