في أواسط الثمانينات، وأثناء الأزمة المتفاقمة بين النظام السوري وحركة الإخوان المسلمين، وفي لقاء جمع قادة الاستخبارات السورية مع بعض قادة الإخوان والطليعة المقاتلة في ألمانياالغربية، وبوساطة من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ذكر القائد الميداني لحزب التحرير الإسلامي في طرابلس سمير حسن، وقد كان بين الحضور كوسيط، أن طرفي الخلاف جلسا في جهتين متقابلتين، وبدأ سيل الشتائم بين الطرفين. والشتائم لم توفر أحداً على الإطلاق، لا قائداً ولا طائفة، وهي شتائم لا توجد في أي معجم سياسي أو اجتماعي. وذكر القائد التوحيدي الوسيط أنه جلس يستمع إلى ذاك السيل من الشتائم مستغرباً، ومعتقداً أن التفاوض لن ينجح إن بدأ بتلك الطريقة. بعد فترة قصيرة من بداية الثورة السورية، أعلن رياض الشقفة المراقب العام لحركة الإخوان المسلمين في سورية، أن الإخوان المسلمين يقفون خلف الحراك الثوري، في إشارة واضحة على إضفاء طابع إخواني على الحراك، وليفتح باب التخمينات حول ركوب موجة التفاوض مع النظام السوري، معتمداً هذه المرة على وساطة تركية، ومستفيداً من الأحداث النادرة التي عصفت في سورية. ويأتي ضمن السياق عينه، الإعلان مؤخراً عن وحدة الفصائل الإسلامية المسلحة العاملة في الساحة السورية، باعتبارها نواة واحدة لوحدات مقاتلة، وتخضع لمنهج عمل وأجندة لا علاقة للجيش الحر بها، في الفترة التي ترشح فيها الساحة السياسية بمبادرات دولية وعربية تقود جميعها إلى البدء بعملية سياسية لحل الأزمة المستعصية، والتي تعني التفاوض مع النظام السوري، ويتم تجميل مبادرة التفاوض بإضافة عبارة «من لم تتلوث يداه بالدماء». توحيد الفصائل الإسلامية تلك هو رسالة فحواها: من يريد أن يفاوض الآن فهذه قوة الإخوان المسلمين، ولن يستطيع أحد إغفالها. ليس لدى حركة الإخوان المسلمين في سورية طابع خاص يميزها عن بقية الحركات الإخوانية في المنطقة، فهي وإن بدأت كمجموعة من الجمعيات الخيرية والاجتماعية، وتميزت بارتباطها الوثيق بطبقة التجار، وتركز صراعها بداية ضد الحركات القومية والشيوعية، لكن تطورها الداخلي، ووفق تعبيراتها السياسية اللاحقة، كان باتجاه الدفاع عن الطائفة الإسلامية السنية، خاصة المحرومين أو المبعدين عن السلطة، و في 1945 نشر الإخوان أهدافهم، والتي أظهرت اهتمامهم بالجانب المسلح للحركة، وترافق ذلك مع قيام الكثير من أعضائهم بالخضوع لمعسكرات تدريب على استخدام السلاح. في كل الدعايات التي أراد فيها الإخوان في سورية إثبات ابتعادهم فكراً وممارسة عن العنف، وعن تنظيم الطليعة المقاتلة، الفصيل الإسلامي المتطرف الذي يعتمد العنف أساساً في نظريته وممارسته لها، تأتي الوقائع لتثبت العكس تماماً، وكان آخر حدث بارز في ذلك هو استلام رياض الشقفة منصب المراقب العام، وهو الذي كان أحد أبرز القادة العسكريين لتنظيم الطليعة المقاتلة. في أواسط الستينات، بدأت تتعالى أصوات في صفوف حركة الإخوان المسلمين من خارج دمشق، تطالب بالمواجهة مع النظام عبر العنف، وعلى رغم الأجواء المشوبة بالغضب من الجماعة تجاه النظام، إلا أن الحركة أصدرت قراراً تم تعميمه، بعدم الانجرار إلى مواجهة عسكرية مع النظام، الأمر الذي ساهم بمغادرة قيادات وكوادر من الإخوان صفوفها، وتشكيلهم في ما بعد تنظيم الطليعة المقاتلة بقيادة مروان حديد في 1975، التنظيم الذي اعتمد علانية العنف المسلح طريقاً لتغيير النظام السوري «النصيري»، كما كانت بيانات التنظيم المتطرف تصف النظام السوري. مات مروان حديد، مؤسس وقائد تنظيم «الطليعة المقاتلة» في السجن. وذكرت تقارير السلطة السورية في ذلك الوقت أن سبب الوفاة كان إضرابه عن الطعام، وقد كان أحد إخوة مروان حديد الذي يعمل في السلك الديبلوماسي شاهداً على ذلك، لكن حركة الإخوان المسلمين اعتبرت أن المسألة هي قتل وفق منهج معروف للسلطة السورية. في حزيران (يونيو) 1979 قام النقيب ابراهيم اليوسف، والذي كان أحد أعضاء تنظيم الطليعة المقاتلة، بتجميع الضباط في صالة الطعام الخاصة بكلية المدفعية في مدينة حلب، وتم عزل الضباط الذين ينتمون إلى الطائفة السنية، باستثناء اثنين رفضا الانصياع لعملية العزل تلك، وتمت عملية إطلاق النار عليهم، فقتل 32 ضابطاً علوياً، وجرح العشرات، ونجا من تلك العملية من استطاع الاحتماء بأجساد رفاقه القتلى أو من استطاع الاختباء في مدخنة المطعم. في تلك الفترة صدر بيان عن الإخوان اعتبروا فيه أن لا علاقة لهم بتلك العملية لا من قريب ولا من بعيد، لكن النظام وجه أصابع الاتهام إليهم، من دون تمييز بينهم وبين الطليعة المقاتلة. لكن الفترة ذاتها شهدت تفجيرات إرهابية في أماكن كثيرة من سورية، واغتيالات طاولت وجوهاً تنتمي إلى الطائفة العلوية من ضباط وأطباء ورجال دين وبعثيين، وصلت إلى سبعين شخصية في فترة لا تتعدى الثلاثة أشهر. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 1980، صدر بيان في دمشق تحت عنوان «بيان الثورة المسلحة» يعلن عن قيام «جبهة إسلامية» لتنظيم مختلف الحركات الإسلامية، وتنظيم أدوارها. والجدير بالذكر أن البيان حفل بتداخل غريب بين قيادات من تنظيم الطليعة المقاتلة، من أمثال عدنان عقلة، مع قيادات الإخوان المسلمين أمثال البيانوني، في شغل المناصب في الجبهة المعنية... * كاتب سوري