بعبارة «يا شعب يا عرة، الثورة مستمرة» يعلو دوي هتاف «الناس بتوع ربنا» المنتمين إلى جماعة «الإخوان المسلمين» عضوية أو تعضيداً أو تعاطفاً أو تواءماً أو تحالفاً، والمصنفين رسمياً على أنهم «أتباع جماعة إرهابية» والموصفين شعبياً باعتبارهم «أناساً جن جنونهم» تارة و «إرهابيين» تارة و «ولاد ال...» تارة أخرى. حدث هذا في إطار استهلال النشاط الأسبوعي لأنصار الشرعية والشريعة سابقاً أتباع «نو كو، برو ديموكراسي» (لا للانقلاب، مع الديموقراطية) لاحقاً «مشعلو «الموجة الثورية الجديدة» التي دعت إليها جماعة «الإخوان» التي كانت «بتاعة ربنا» قبل أن تصبح «الإرهابية»، وذلك ضمن فعاليات «الموجة الثورية الجديدة» في «الأسبوع الثوري المهيب»، حسب التعليمات المنصوص عليها في الأوامر الصادرة من «التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب». رفض الانقلاب وكسر الانقلابيين ودحر حكومة الانقلاب ومواجهة الشعب الانقلابي ومجابهة الإجراءات الانقلابية وأبرزها القرار الانقلابي بإعلان الجماعة «إرهابية» والاستعداد التفعيلي للدستور الانقلابي مرشح للتحور ومعرض للتحول ومؤكد سيره من مسيرات «سلمية» تكتفي بالخبط والرزع، وتظاهرات «شرعية» لا تتعدى خطوط التراشق بالطوب والتنازع بالخرطوش والتناحر بالزجاجات الحارقة، إلى فعاليات هائجة وخطوات مائجة وتصعيدات جائرة تتواءم وتعليمات التصعيد وتتناسب وتوجيهات التفعيل لوأد «عبث الانقلابيين». ويتوقع أن يلعب توصيف «العبث» دوراً محورياً على المشهد المصري في الأيام القليلة المقبلة، حيث استعداد لاستحقاق استفتائي، واستنفار لتهديد تفخيخي وتنديد تفجيري ووعيد تخريبي، ف «تحالف دعم الشرعية» طالب في بيانه التوجيهي الأخير قواعده بأن «لا يلقوا بالاً بعبث الانقلابيين المتواصل الذي يريدون له أن يتواصل حتى يمرر لهم العبث الأكبر في 14 كانون الثاني (يناير) المقبل». وبما أن العبث الأكبر يسبقه عادة عبث أصغر حيث إشاعة الفوضى في الجامعات وشل حركة السيارات والعمل على نشر أكبر قدر ممكن من الإشاعات تنال من الاقتصاد الوطني سلباً وتصيب الكيان المجتمعي هرجاً، فإن من العبث ألا يلتفت المصريون إلى ما هو آت من جماعة حلمت بالحكم فقسمت الشعب قسمين أحدهما مؤمن موعود بالجنة والثاني زنديق مصيره جهنم، ثم حكمت ففشلت فعُزِلت، فأخذت تنتقم وأنصارها حرقاً وخراباً وتفخيخاً وتفجيراً. «يا نحكمكم يا نقتلكم. هذا منطقهم وهذه عقيدتهم ورغم تغلغلهم في صميم المجتمع المصري على مدى عقود، إلا إنهم لم يفهموا التركيبة العنادية للمصريين. تجبرهم على اليمين، فيومئون برؤوسهم إيجاباً ثم يهرعون إلى اليسار. تدفعهم إلى تنظيم النسل، فيتسلمون موانع الحمل ويركضون إلى مزيد من الإنجاب. تكرههم على حكم فلان وترغمهم على زعامة علان وتغصبهم على الإذعان لترتان، فيبتسمون ابتسامة الرضا ويضربون بثلاثتهم عرض الحائط، حتى وإن كانوا المرشد ونائبه وذراعهما الرئاسية»، يقول زعيم جلسة الجمعة الصباحية في ملتقى أصحاب المعاشات من ذوي الخبرات التقنية والمهنية والنفسية لتلقى قراءته تأييد الجميع وثناء الجالسين في المقهى المطل على خط السير المحتمل لأنصار الجماعة في حي مدينة نصر، وهو ما لا يفهمه محبو الجماعة والمتعاطفون معها من المؤمنين بأنهم في مسيراتهم الجمعوية وتظاهراتهم الشرعية على رغم أنف قرار توصيف جماعتهم ب «الإرهابية» إنما يجاهدون في سبيل الله، ويكافحون من أجل الشرعية، وهو ما يفهمه جيداً «محركو الدمى» (الماريونيت) ممن يستخدمون خيوط الدين وعصي الجنة والنار لكن الاعتراف بالحق فضيلة لا يملكونها. تملك الجماعة بلاغة كلامية ولغة تعبيرية أقل ما يمكن أن توصف به هو أنها أشبه بعصور الفصاحة الوسطى وأزمنة معرفة الخيل والليل والبيداء بهم والسيف والرمح والقرطاس والقلم وما تكتبه عنهم كوادرهم. الكلمات الفاصلة الموجهة إلى القواعد العاملة والمحددة للفعاليات المقبلة تشير إلى أنهم «على أعتاب مرحلة فاصلة من مراحل التصعيد الثوري»، ومن ثم مطلوب منهم التمسك «بإيمان قوي بقضيتكم وثورتكم واتصال بالله عز وجل، وواصلوا حشد الشعب في اتجاه المقاطعة الثورية للوثيقة السوداء الباطلة». المطلب المعلن هو «تجميع الجهود وتصعيد المد الثوري» وغاية المنى والأمل هي «إرهاق البلطجة وقهر الإرهاب الانقلابي الذي لا يخدم إلا أميركا والكيان الصهيوني»، والأدوات هي «عصيان الشباب في الجامعات وإعلان الأحرار في السجون عن بداية للغضب والاستنكار الشعبي الواسع لقرار غلق الجمعيات الأهلية الإسلامية»، والأهم من ذلك هو الاستمرار «مهما كانت التضحيات». وتذيل البلاغة وتكلل الخطابة بدعوة صريحة: «فلتتكلم الميادين، ولتعلنوا كلمتكم مدوية، ولترسخوا أقدام ثورتكم في نقلتها الجديدة، وواصلوا الاستعداد لما هو آت». وما هو آت كبير وخطير، وإن كان محتواه يبقى قيد التفعيل والتحقق، سواء ضرباً وخراباً وشرعية وشريعة في إطار «العبث الأكبر» من قبل «الإخوان»، أو مواجهة ومجابهة ومنعاً ووقاية لملاقاة الحدث الاستفتائي حيث الخطوة الفعلية الأولى لخريطة الطريق من قبل المصريين. المصريون لاحظوا اختفاء أصابع أردوغان الصفراء من صور الواجهات العنكبوتية واندثار اللون الأصفر الربعاوي من فعاليات المواجهات الشارعية في المسيرات «الإخوانية». لكنهم لاحظوا كذلك ظهور الأصابع نفسها في حوادث تفجيرية وبزوغ اللون الأصفر في أحداث تفخيخية وإن بقي ظهوراً محسوساً وبزوغاً ملموساً لا يعرفه إلا من باتوا محنكين في استشراف المستقبل واستشفاف الماضي مع الحاجة إلى الاستشفاء من الحاضر.