اليوم «مليونية مهيبة» تؤذن ببداية «أسبوع ثوري» يحمل شعار «دستورنا 2012» ويؤكد للملايين الحاشدة والقوى الهادرة والإخوة في كل مكان والحرائر في أي زمان، أن ثورة المصريين التي قاموا بها في كانون الثاني (يناير) 2011 لم تكسرها «قلة منحرفة» في 30 حزيران (يونيو) أو «انقلاب عسكري» في 3 تموز (يوليو) 2013 أو «بلطجة داخلية» أو «عبيد بيادة». اليوم يتخذ الإخوة أماكنهم الخلفية وتتخذ الحرائر أماكنهن الأمامية وتنطلق حشود الصبية حاملة العدة والعتاد حيث سجادة الصلاة لزوم إقامة الصلوات في عرض الطرقات وزجاجات الخل وأخرى لزوم تصنيع سبل مواجهة جهود الداخلية لتفرقة المسيرات غير القانونية أو مجابهة الجيش لتأكيد سلمية الفعالية أو ردع الشعب من المدافعين عن الملكيات الخاصة لأنهم لا يعرفون مصلحة أنفسهم. «المصلحة تحتم أن نلزم البيت. لن يخرج أحد يوم الجمعة إلى حين زوال غمة الإخوان»، قرار سيادي أصدره رب البيت الواقع في مهب رياح مسيرات الجماعة وتظاهرات الحرائر في مدينة نصر (شرق القاهرة) وهو القرار الذي بات غير قابل للحوار المجتمعي أو الجدال الأسري أو حتى طرح وجهات نظر مغايرة تقترح مغادرة البيت قبل أن ينهي «الناس بتوع ربنا» صلاة الجمعة التي هي ساعة الصفر لتحركاتهم والعودة بعد إتمام عمليات تكسير سيارات المواطنين وتهشيم واجهات المحلات وتلطيخ جدران المنشآت وتقطيع لافتات تأييد الدستور وما تيسر من ذبح سائقين يرفعون صور وزير الدفاع وضرب نساء يسمعن «تسلم الأيادي». أيادي الجماعة الكثيرة وأذرعتها الممتدة وأدمغتها المعطلة وأصابعها التركية وكاميراتها القطرية ومطالبها اللامعقولة، ستتناثر مجدداً في شوارع القاهرة الكبرى اليوم، مركزة جهودها «الشرعية» في أماكنها التقليدية حيث مدينة نصر وحلمية الزيتون والهرم و6 أكتوبر وحلوان، للتلويح بأن «كسر الانقلاب» جارٍ والتذكير بأن الرئيس المعزول محمد «مرسي راجع إن شاء الله» والترويع بأن «عبيد البيادة بره بره... ألتراس مرسي جوه جوه». وبينما يمضى الإخوة في سيرهم في الخلف والحرائر في تصدرهن الخطوط الأمامية والصبية في رشق الطوب يميناً ويساراً، يمضي المصريون في لحظات تأملية وساعات تحليقية في فضاء المشهد السياسي الملتهب في يوم الجمعة المحتقن. «مصر المحتقنة» تقف قاب قوسين أو أدنى من المجاهرة بالقرف والمصارحة بالسأم والمطالبة بالسيطرة والسطوة لإعادة الفئران إلى جحورها والغربان إلى أعشاشها والطلاب إلى فصولهم والمواطنين إلى أعمالهم، ولو كان ذلك يعني عودة إلى الفساد أو قيامة للطغيان أو ضرراً للعيش أو نيلاً من الحرية أو تعطيلاً للعدالة الاجتماعية. هتافات الحرائر التي ستولول اليوم ناعية «آلاف الشهداء» ولاعنة «ائتلاف الجيش والشرطة والشعب الفاجر» ومذكرة بأن «مرسي راجع إن شاء الله» و «دستوري دستور 2012»، وفعاليات الصبية بحرق نسخ الدستور «الانقلابي» المعدل ونزع صور السيسي ولافتات مطالبته بالترشح، وإبداعات الإخوة بكسر الانقلاب عبر «الفكة في الحصالة» بهدف جمع العملات المعدنية من السوق للضغط على الانقلابيين للانسحاب من المشهد السياسي و «ثلج ضد الانقلاب» بهدف تسقيع مصر ومن ثم إجبار الانقلابيين على الانسحاب من المشهد السياسي تحت وطأة البرد سيوازيها تأجج في الرغبة في الخلاص واشتعال التوق إلى النجاة، وإن كان ذلك بتجاهل تصاعد قبضة الأمن وغض الطرف عن تزايد تكميم أفواه الناشطين والمحبين للجماعة والمتعاطفين مع القواعد والمتعاملين مع الإخوة ضمناً. وضمن ما نتج من فقدان الجماعة بوصلة الزمن وإصرار كبارها على تجاهل الغضب الشعبي والرفض المصري والحنق الوطني تجاهها، قفز جموع من المصريين في خانة «يسقط كل من خان: نشطاء وإخوان وحقوقيين ومنظرين وصحافيين»، وهي «الخيانة» المعرفة شعبياً بالسكوت على أفعال الجماعة والدفاع عن فعاليات قواعدها وترك الباب مفتوحاً أمام احتمالات عودتهم إلى الساحة. أبرز سمات هذه القفزة عدم التفرقة بين النشاط الحق وغير الحق، والثوري الشريف وغير الشريف، والحيادي بالفطرة والحيادي بالدولار. تأملات يوم الجمعة المحتقن أدت إلى متابعة للأخبار بدأت بصب اللعنات على المعترضين على مداهمة «المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية» الذي يترأسه المرشح الرئاسي السابق المحامي اليساري خالد علي. وفي الجانب الآخر، ستكون اللافتة الأكثر رواجاً في مسيرات أنصار الشرعية والشريعة في الأسبوع الثوري المستهل اليوم: «تهمة الخيانة؟! ألم تجدوا تهمة أقل شرفاً من التخابر مع حماس؟!». دفاع قواعد الجماعة عن مرسي هو إدانة مبطنة فهمها المصريون، فما تعتبره الجماعة وقواعدها شرفاً بات المصريون يقوّمونه باعتباره «خيانة عظمى» من دون انتظار تحقيق شامل أو دليل دامغ أو حكم بائن. وإذا كان لسان حال المصريين يقول إن المحكمة الشعبية المصرية حكمت على الجماعة بالرفض والإقصاء والكراهية والإبعاد، وجاء في حيثيات الحكم ما يراه المواطنون بأعينهم في فعاليات «الناس بتوع ربنا» وما يتم حشوهم به إعلامياً وما ينالهم من أضرار اقتصادية ويلحق بهم من تعطيلات مرورية، فإن الجماعة ماضية قدماً في الطريق المخالف. البيان الرقم 150 الصادر عن «تحالف دعم الشرعية» بقيادة «الإخوان» ينذر ب «انفجار غضب السجون» و «بطلان الوثيقة السوداء» ويحذر من «خيانة الشهداء بالاستفتاء» ويدعو إلى «عدم ترك المزيد من الوقت للانقلابيين لإفساد البلاد»، بعدما «قالت الحركة الطلابية كلمتها وأشعلت الثورة». وبين إشعال الثورة «الإخوانية» وإشعال غضب المصريين، يقف الفريق الأول في الشوارع اليوم في «مليونيته المهيبة» متحدياً، ويقف الفريق الثاني في الشرفات أو خلف النوافذ المغلقة مراقباً، وكلاهما ينتظر ساعة الصفر.