دخلت جماعة «الإخوان المسلمين» مرحلة جديدة من مراحل الكفاح والجهاد في سبيل «الشرعية والشريعة» وفضّ الانقلاب ودحض الانقلابيين، فبعد أسابيع متتالية من فشل الحشد، ومليونيات متوالية من مئويات تتحصن بالنساء وتستعين بالأطفال، ومحاولات متواترة لترغيب المصريين تارة بابتسامات صفراء في الإشارات وتلويحات حمقاء في الفعاليات وترهيبهم تارة أخرى برفع الأصابع الأردوغانية الصفراء والتهديد والوعيد بأن جهنم وبئس المصير تنتظران كل من انقلب على «سيادة الرئيس الدكتور محمد مرسي»، وتأكيدات بالحجة والبرهان على أن مصر لن تهنأ بحياة آمنة من دون أن يكون مرسي في القصر تزامناً مع السيارات المفخخة والاغتيالات لرجال الأمن عقاباً من الشرعية على إطاحتها، باتت خطة الكفاح ومنظومة الجهاد في حاجة ماسة إلى إعادة هيكلة وصياغة محتوى. ولما كان المحتوى الآني لمسيرات الشرعية والشريعة بات مفرغاً من محتواه العددي بعد إحكام السيطرة على الطرق السريعة الآتية من المحافظات حيث المكون الاستراتيجي التقليدي التاريخي لعصب قواعد الجماعة من قوات الحشد ومكونات التجييش، طرأ تحول لوجستي تكتيكي بتحويل دفة الحشد والتجييش صوب قاعدتين أساسيتين يتوافر فيهما العدد والزخم: الطلاب والعمال. ويبدو أن مسألة «الشباب عماد الثورة» التي أشهرتها الجماعة قبل أسبوعين لتحمية وقود الثورة «الإخوانية» الهادفة إلى إطاحة «انقلاب الإرادة الشعبية» أثبتت حاجتها إلى مقوّيات ومثبّتات، وهو ما نتج منه إعلان القيادي «الإخواني» عصام العريان في أحدث إصداراته الموجهة إلى «الناس بتوع ربنا ومرسي» عن غضب متصاعد في الفترة المقبلة من العمال والطلاب الذين سيشنّون «عاصفة عارمة تقتلع الانقلاب العسكري قريباً جداً». وهلّت بشائر العاصفة «الإخوانية» بعصيان جزئي لعمال مصنع هنا، وإضراب كلي لعمال مدارس هناك، واعتصام عمال سبائك هناك، وامتناع عمال شركات هنا وهناك. وبعد أن كانت فتاوى «الإخوان» تؤكد أن الإضراب العام حرام شرعاً والعصيان المدني مكروه، بات اليوم أداة من أدوات عودة «الشرعية والشريعة» ومعهما مرسي إلى القصر. عودة مرسي إلى القصر، سواء قبل صلاة العصر أو بعدها، باتت في التكتيك «الإخواني» الجديد تعتمد كذلك على أطفال المدارس وشباب الجامعات. وبين «ألتراس» كان بالأمس القريب يدعم فرق «اللهو الحرام» المصنّفة مدنياً باسم «كرة القدم» وبات اليوم وقوداً من وقود الشريعة، وطلاب جامعات يلجأ بعضهم إلى أسلحة بيضاء وزجاجات حارقة للتأكيد على الشرعية، وتلاميذ مدارس يتم استقدامهم من مدارسهم في جنوبالقاهرة خلال اليوم الدراسي ليتجمهروا عند أقدام تمثال النهضة هاتفين للشرعية وملوحين بأصابع أردوغان، يعاد ضخ دماء جديدة واستقدام أصابع مختلفة واستنهاض عزائم نائمة علها تعيد مرسي إلى القصر. عودة مرسي إلى القصر التي تعبّر عن نفسها بكتابات جدارية ليلية عشوائية حيث «مرسي راجع إن شاء الله» أو إن «مرسي رئيسي» لا تزعزعها مراجعات نهارية مضيفة كلمة «مش» بين «مرسي» و «راجع إن شاء الله» ومعدلة «مرسي» إلى «سيسي رئيسي». والمزاج العام في الشارع الذي يدفع أصحاب المحال إلى وضع صور وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي جنباً إلى جنب مع جمال عبدالناصر، وملاّك السيارات إلى تثبيت علم مصر على خلفيات السيارات وهو ما يتعارض وتوجهات أنصار «الشرعية والشريعة»، وحاملي الهواتف الجوالة إلى الإقبال على رنة «تسلم الأيادي» التي تزلزل كيان «الإخوان»، لا يزعزع قناعة أتباع الجماعة ولا يؤثر في مزاجهم العام المتمسك بتلابيب «رابعة» بأصابعها الأردوغانية وعشيرتها «الإخوانية» وشرعيتها الانتقائية. انتقاء وسيلة الشرائط المسربة باعتبارها خير ما يكسر الانقلاب ويدحض الانقلابيين، والممثلة هذه الأيام في مسلسل مقاطع مصورة للفريق أول السيسي يتم بثها عبر شبكة «رصد»، الذراع الإلكترونية للجماعة، يكشف بعداً جديداً في النضال «الإخواني» ضد الانقلاب الشعبي. المقاطع المسرّبة التي يهلل لها أنصار الشرعية والشريعة ويفرطون في عمل «لايك» ويبالغون في دق «شير» بهدف الفضح والتشهير أدت في واقع الحال إلى مزيد من شعبية السيسي والإمعان في الحديث عن ضرورة ترشحه للرئاسة. إلا أن العوالم «الإخوانية» الافتراضية التي يعيش أنصار الشرعية في جوانبها تمنعهم من رؤية الجانب الآخر من الحقيقة. سهى الناشطة «فايسبوكياً» والمعارضة لترشح السيسي للرئاسة ناشدت «رصد» التوقف عن التسريبات كاتبة «يا رصد: كفاية تسريبات! شريطان كمان وسيتم تتويجه ملكاً». مالك المتشكك دائماً عبر «تويتر» وصل إلى درجة اعتبار «رصد» الإخوانية عميلاً سرياً في حملة ترشح السيسي للرئاسة وغرّد: «هذه هي الحملة الانتخابية لترشيح السيسي رئيساً برعاية رصد». وبعيداً من «رصد» التي تظل حكراً على من يملك رفاهية الاتصال العنكبوتي، وعاصفة الطلاب والعمال «الإخوانية» التي نفخ في أواصرها عصام العريان معلناً هبوبها، يظل السلاح الأكثر شعبية بين قواعد الجماعة هو الدعاء. لكنه ليس دعاء بالهداية والصلاح، ولا حتى بالحق والبعد عن الضلال، لكنه في هذه المرحلة المهمة من كسر الانقلاب وعودة مرسي إلى القصر دعاء على الانقلابيين بأن تعمى عيونهم وتشلّ أياديهم وتقطع أرجلهم ويصيب السرطان أجسادهم. وبما أن الدعاء لا يقابل إلا بالدعاء، فإن المصريين يردون «ربنا يشفي».